للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أهم البحوث الأدبية عند العرب، التي اتضح فيها المنهج الأرسطي، كتاب (البرهان في وجوه البيان)، لابن وهب، الذي نشر باسم (نقد النشر)، ونسب إلى قدامة، فقد عقد المؤلف فيه فصلًا للقياس، تحدث فيه عن الحد والوصف والمقولات، وفصل صور القياس، وصرح أنه نقل الفصل كله عن المناطقة، هذه أمانة علمية ينبغي التنبه لها.

فإذا تركنا كتاب (البرهان) إلى كتاب آخر، وليكن مثلًا كتاب (الأغاني) للأصفهاني، وهو أكبر مصنف يحتوي على ترا جم الشعراء في العصر الجاهلي، وما تلاه من عصور، يعرض المؤلف لآراء النقاد في هؤلاء الشعراء، نراه حين يتناول شاعرًا من الشعراء، يعرض أخبارًا متفرقة عن الشاعر في مواقف شتى، لا يعرضها عرضًا تاريخيًّا منظمًا أو مرتبًا، ليس معنى ذلك أنها أخبار غير دقيقة، لا هي في نفس الوقت تتسم بالدقة، لا تلبث هذه الأخبار المتفرقة، لا تلبث حين تمسها يد صناع، أن تسوى منها حياة الشاعر، وأطورها، وتكشف عن ثقافته وظروفه وفنه.

يعني: نعرف من خلال هذه الأخبار المتفرقة، كل ما يتصل بالشاعر من قريب أو بعيد، ونحس ونحن نقرأ هذه الأخبار ميل الأصفهاني الشديد، إلى لاستقصاء والاستقراء، ودقة الملاحظة، والاستنباط، هذه كلها تتصل بالمنطق الأرسطي، ولكن ذلك المنطق وظف توظيفًا جيدًا.

وعلى هذا النحو كان العرب يستضيئون بمنطق أرسطو في بحوثهم الأدبية، وغيرها، وكانت لهم محاولات خصبة للعناية بالجزئيات، والمفردات، واكتمال الاستقراء، وصحة الاستنباط تتسع في الملاحظة اتساعًا شديدًا، وقد ظلوا مع ذلك يحتكمون إلى المنطق الأرسطي، مكثرين من القواعد والضوابط والأقيسة،

<<  <   >  >>