ذُو رَحِمٍ، وَلَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الظُّلْمُ مِنْ الْوُلَاةِ وَالرَّعِيَّةِ: هؤلاء يأخذون ما لا يحل، وهؤلاء يمنعون ما جب، كَمَا قَدْ يَتَظَالَمُ الْجُنْدُ وَالْفَلَّاحُونَ. وَكَمَا قَدْ يَتْرُكُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الْجِهَادِ مَا يَجِبُ، ويكنز الولاة من مال الله ما لَا يَحِلُّ كَنْزُهُ. وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمْوَالِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ مِنْهَا مَا يُبَاحُ أَوْ يَجِبُ؛ وَقَدْ يَفْعَلُ مَا لَا يَحِلُّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ، يَجِبُ أَدَاؤُهُ، كَرَجُلٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ مضاربة، أَوْ شَرِكَةٌ، أَوْ مَالٌ لِمُوَكِّلِهِ، أَوْ مَالُ يَتِيمٍ، أَوْ مَالُ وَقْفٍ، أَوْ مَالٌ لِبَيْتٍ المال؛ أو عنده دين وهو قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أداء الحق الواجب: من عاين، أَوْ دَيْنٍ، وَعَرَفَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، حَتَّى يُظْهِرَ الْمَالَ، أَوْ يَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهِ. فَإِذَا عَرَّفَ الْمَالَ، وصُير فِي الْحَبْسِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْ الْمَالِ، ولا حاجة إلى ضربه، وإن امتنع من الدلالة على ماله وَمِنْ الْإِيفَاءِ، ضُرِبَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ أَوْ يُمَكِّنَ مِنْ أَدَائِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، لما روى عمرو ابن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال: «لَيّ الواجد جل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ. وَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم: «مطل الفني ظلم» أخرجاه في الصحيحين، و " الليّ "، هُوَ الْمَطْلُ: وَالظَّالِمُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَالتَّعْزِيرَ. وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، أَوْ تَرَكَ وَاجِبًا، اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، فَإِنْ لم تكن مقدرة بالشرع كان تعزيراً يجتهد فِيهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ فَيُعَاقِبُ الْغَنِيَّ الْمُمَاطِلَ بِالْحَبْسِ، فَإِنْ أَصَرَّ عُوقِبَ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ: مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute