للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» . وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَالُ في أمره بقتل شَارِبُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ؛ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، عَنْ دَيْلَمَ الْحِمْيَرِيِّ -رَضِيَ الله عنه- قال: «سأل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا بِأَرْضٍ نُعَالِجُ بِهَا عَمَلًا شَدِيدًا، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شراباٌ مِنْ الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا، وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا. فَقَالَ: هَلْ يُسْكِرُ؛ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: فَاجْتَنِبُوهُ. قُلْتُ إنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَاقْتُلُوهُمْ» . وَهَذَا لِأَنَّ الْمُفْسِدَ كَالصَّائِلِ، فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ الصَّائِلُ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ. وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ نَوْعَانِ: (أَحَدُهُمَا) عَلَى ذَنْبٍ مَاضٍ، جَزَاءً بِمَا كَسَبَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ، كَجَلْدِ الشَّارِبِ وَالْقَاذِفِ، وَقَطْعِ الْمُحَارِبِ وَالسَّارِقِ. و (الثاني) الْعُقُوبَةُ لِتَأْدِيَةِ حَقٍّ وَاجِبٍ، وَتَرْكِ مُحَرَّمٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ حَتَّى يُسْلِمَ، فَإِنْ تاب؛ وإلا قتل. وَكَمَا يُعَاقَبُ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ حَتَّى يُؤَدُّوهَا. فَالتَّعْزِيرُ فِي هَذَا الضَّرْبِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُضْرَبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ، أَوْ يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . قَدْ فَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحُدُودِ اللَّهِ مَا حَرُمَ لِحَقِّ اللَّهِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُرَادُ بِهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: مِثْلُ آخِرِ الْحَلَالِ وَأَوَّلِ الْحَرَامِ. فَيُقَالُ فِي الْأَوَّلِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩] (سورة البقرة من الآية ٢٢٩) .

<<  <   >  >>