للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَيُقَالُ فِي الثَّانِي: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧] (سورة البقرة من الآية ١٨٧) . وأما تسمية العقوبة المقدرة حَدًّا، فَهُوَ عُرْفٌ حَادِثٌ. وَمُرَادُ الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنْ ضَرَبَ لِحَقِّ نَفْسِهِ، كَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ. وَالْجَلْدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ: هُوَ الْجَلْدُ الْمُعْتَدِلُ بِالسَّوْطِ؛ فَإِنَّ خِيَارَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: " ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، وَسَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ ". وَلَا يَكُونُ الْجَلْدُ بِالْعِصِيِّ وَلَا بِالْمَقَارِعِ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالدِّرَّةِ، بَلْ الدِّرَّةُ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّعْزِيرِ. أَمَّا الْحُدُودُ، فَلَا بد فيها من الجلد بالسوط، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يؤدب بالدرة: فإذا جَاءَتْ الْحُدُودُ دَعَا بِالسَّوْطِ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ كلها؛ بل ينزع عنه ما يمنع كم الضَّرْبِ، مِنْ الْحَشَايَا وَالْفِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يُرْبَطُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُضْرَبُ وَجْهُهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» . وَلَا يَضْرِبُ مَقَاتِلَهُ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَأْدِيبُهُ لَا قَتْلُهُ، وَيُعْطَى كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ، كالظهر والأكتاف والفخذين ونحو ذلك.

<<  <   >  >>