وبينا ذلك على أن البيت لجميل، حكى الزبير بن بكار بإِسناد ذكره، أنَّ طلحة بن عبد الله قال: أتى كثير الفرزدق فقال الفرزدق: يا أبا صخر أنت أنسب العرب حيث تقول:
أُريد لأنسى ذكرها فكأنَّما ... تمثلُ لي لَيلى بكلّ سَبيل
فقال له: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
تَرى الناس ما سِرْنَا يَسيرونَ خَلْفَنا ... وإِنْ نَحْنُ أوْمأنا إِلى الناس وَقَّفُوا
والبيتان جميعاً لجميل سرقه الفرزدق واحداً وكثير الآخر، فقال له: ما أشبه شعرك بشعري، أفكانت أمك أتت البصرة، قال: لا، ولكن أبي كثيراً ما يردها وينزل في بني دارم. قال طلحة: فعجبت من جواب كثير، وما رأيت قط أحداً أحمق منه، ولقد دخلت عليه في نفر من قريش وكنا كثيراً ما نهزأ به وكان يتشيع تشيعاً مفرطاً، فقلنا له وهو مريض: كيف نجدك يا أبا صخر؟ قال: بخير. فقال: هل سمعتم الناس يقولون شيئاً، قلنا: يقولون إنك الدّجال، قال: لأن قالوا أني لأجد في عيني ضعفاً منذ أيام.