للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع

(الخطابة في الجاهلية والإسلام)

الخطابة في العصر الجاهلي

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

أولًا: الخَطَابَةُ في العَصر الجَاهلي:

كل ظاهرة في الأمة ترجع إلى عاملين: عنصرها، والبيئة التي أظلتها، ولذلك يَجِبُ أنْ نُلِمّ إلمامَة مُوجزة في هذا المقام بمزاج العربي وبيئته؛ لنَعْرِفَ هل فيهما ما يدعو إلى الخطابة والبيان؟ فنقول: البلاد العربية كان أكثرها صحراء جرداء، يندر فيها النبات والماء، وتكثر الجبال والوهاد والرمال ورمضاؤها، ولذلك كان سكان هذه الصحراء في شظف من العيش، وقلة من الزاد، واكتفوا من الحياة بالكَفَاف، ورَضُوا بالقَنَاعة، واطمئنوا إلى الخشونة مع العزة.

ولعدم المواصلات في الصحراء، وتقطع أسباب الاتصال لم تكن عند سكانها جامعة تجمعهم تحت حكم دولة واحدة؛ بل كانت كل قبيلة كأنها أمة وحدها، تَخْضَعُ لزَعيمها، وتُقَدّم له الطاعة، وله فيها الكلمة النّافذة، وما كان اختيارهم زعيمًا لهم إلا تنفيذًا لقانون الانتخاب الطبيعي، إذ يرأس القبيلة أقواها عقلًا، أو أشدها في الهيجاء بطشًا، أو أكثرها تمرسًا بتجارب الحياة وفنونها.

وعَلاقة القبيلة بمن سواها من تنازع على مواقع المطر، ومواطن الكلأ أو احتكاك صغير قد يؤرث عداوة، ويَخْضِبُ الأرضَ بالدماء.

وأطراف الأرض العَربية كانت مَسْكُونة بقبائل عربية من الشام؛ فيها خَصْبٌ عَظيم، ولذا تكونت بها حكومات، ولكن هذه الحُكُومات قبيل الإسلام، كانت واقعة تحت سلطان فارس والروم، ولا بُدّ أن نتصور أن الخضوع للأجنبي ليس من طبع العربي، ولا يلائم فطرته؛ لذلك كان ألئك العرب الواقعون تحت سلطان الأجنبي في تململ راغبين في الانسلاخ من سلطانه.

<<  <   >  >>