للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكرر قول ربنا سبحانه: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (النمل: ٦٠)، كما تكرر قوله: {أَرَأَيْتَ} (الفرقان: ٤٣)، {أَرَأَيْتُمْ} (القصص: ٧١)، {لَعَلَّ} (الطلاق: ١)، {لَعَلَّهُمْ} (السجدة: ٢١). وفي هذه التعابير ما لا يخفَى من التأثير النفسي على السامع أو القارئ؛ لأنّ النفس تكره التقريع المباشر والاتهام الصريح، ولو كانت مذنبةً ومقرةً بذلك في نفسها. لذلك جاء هذا الأسلوب مقررًا الحقائق مراعيًا حال المخاطبين؛ فجمع بين قول الحق وحسن العرض.

كذلك سلك الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في خطابهم هذا المسلك، قال الله -تبارك وتعالى-: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} (إبراهيم: ١٠)، وقال إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (الأنبياء: ٥٢)، وقال لهم أيضًا: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (الصافات: ٨٦)، وقال موسى -صلى الله عليه وسلم- لقومه: {أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (يونس: ٧٧)، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا لقومه: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف: ٥).

فانظر -رحمني الله وإياك- ما أعظمَ هذا التقريرَ، وما أبدع هذا العرض! قول الحق بأسلوب مقبول، وطرح مؤثر، وقال مؤمن "يس": {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (يس: ٢٣ - ٢٤)، وقال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: ((كيف أنت وقوم كذا وكذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم؟!)). وقال -صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟!)) وفي رواية: ((أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!)) وقال -صلى الله عليه وسلم- لعلي وفاطمة -رضي الله عنهما- وقد طرقهما ليلًا فوجدهما نائمين، فقال: ((ألا تصليان؟))، أسلوب عرض، بدل أن يقول: "قومَا فصليا"، بصيغة الأمر.

وقال -عليه الصلاة والسلام- لرجل من الأنصار أرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر من الماء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لعلنا أعجلناك، قال: نعم يا رسول الله، قال: إذا أُعْجِلْتَ أو أقحطت؛ فلا

<<  <   >  >>