من التعاون والتكاتف على أمر اخترعه البشر ولم ينزل به وحي السماء ولا تؤمن عاقبته لا في الدنيا ولا في الآخرة. وأيضا فالتكاتف والتعاون الصادر عن إيمان بالله وصدق في معاملته ومعاملة عباده مضمون له النصر وحسن العاقبة - كما في الآيات الكريمات التي أسلفنا ذكرها - بخلاف التكاتف والتعاون المبني على فكرة جاهلية تقليدية لم يأت بها شرع ولم يضمن لها النصر.
وهذا كله على سبيل التنزل لدعاة القومية، والرغبة في إيضاح الحقائق لطالب الحق. وإلا فمن خبر أحوال القوميين وتدبر مقالاتهم وأخلاقهم وأعمالهم عرف أن غرض الكثيرين منهم من الدعوة إلى القومية أمور أخرى يعرفها من له أدنى بصيرة بالواقع وأحوال المجتمع، ومن تلك الأمور: فصل الدين عن الدولة، وإقصاء أحكام الإسلام عن المجتمع والاعتياض عنها بقوانين وضعية ملفقة من قوانين شتى، وإطلاق الحرية للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة - لا بلغهم الله مناهم - ولا ريب أن دعوة تفضي إلى هذه الغايات يرقص لها الاستعمار طربا ويساعد على وجودها ورفع مستواها - وإن تظاهر بخلاف ذلك - تغريرا للعرب عن دينهم، وتشجيعا لهم على الاشتغال بقوميتهم، والدعوة إليها والإعراض عن دينهم.