للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأقلِّ. فالذي حصل هو أن الجماعة الوطنية التي انصهرتْ ولُحِمَتْ في نار الثورة، قد فُتِّتَتْ وذُرْذِرَت من جديد في مضمار السِّباق على المنفعة الشخصيَّة.

لقد خلق الشعب بنفسه مفهوميَّتَه الخاصة طوال سنوات الثورة، باستثماره فيها لجيع قِيَمِه الأخلاقية، تلك القِيَم التي جعلت نضالَه مقدّساً في نظره الخاص ولكنَّ مفعول هذا التقديس أخذ يتدهور شيئاً فشيئاً تحت تأثير طوفان جَرَّافٍ من انتهاك الحرمات، وتدنيس المقدَّسات؛ فالأشخاص الذين استلموا سُكَّانَ القارب وَدَفَّتَهُ عقب حادثة السطو على الطائرة التي كانت تُقِلُّ (بن بلَّة) من (الرباط) إلى (تونس)، كانوا أبعد ما يكون عن تقدير الأهمية السياسية لهذا الانحطاط الذي ساد الجوّ الأخلاقي، وخاصة بالنسبة إلى حقبة ما بعد الثورة، أعني في الطور الجديد من المعركة الشعبية.

وإن مسيِّرينا في تلك المرحلة الذين لم (يفكِّروا) - بالمعنى الدقيق للكلمة- في أي مشكلة من مشاكل الثورة، لا يمكنهم من باب أَوْلى أن (يفكِّروا) في المشاكل العامة التي كانت متوقَّعة في الجزائر عقب الثورة؛ وبالتالي فهم أبعد ما يكون عن الانشغال بوضع مشكلة (مفهوميَّة) ما بعد الثورة.

تلك هي الوضعية الحالية للمسألة.

فالمشكلة التي توضع اليوم أمام شعبنا، وأمام حكومتنا، إنما تتمثَّل في تجديد الموثق (أو الحلف) القابل للاضطلاع من جديد بإقامة الوحدة المعنوية للأُمَّة، والنهوض كَرَّةً أخرى بالطاقات التي انْتابَها التَّخاذُلُ والتَّقاعُسُ لفترة معينة من جرَّاء الاستقلال.

إذ يتعين على الشعب الجزائري أن يستأنف سَيْرَهُ مجدَّداً نحو مَرامِيَ جديدة؛ كما يتعيَّن على هذه المقاصد أن تمدَّه بالبواعث المعلِّلَة الجديدة لنشاطه المشترك، و (بالقاسم المشترك) الذي سيعضد سائر النشاطات الفردية: سواء منها

<<  <   >  >>