للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علاوة على أن معنى اشتراكيتنا قد حُدِّد بما فيه الكفاية عن طريق حَدَّيْ مذهبنا المفاهيمي المتمثِّليْن في: الإسلام، والعروبة.

فكل سياسة لكي تُعْرِّفَ نفسَها كسياسة جزائرية، يجب أن تظلَّ وَفِيَّةً لينابيعها الروحيَّة، ولرسالة الشهداء، وموثق الأحياء.

ذلك أن السياسة التي لا تمتلك جذورها داخل روح الشعب، لا يمكنها أن توجِدَ نشاطاً جماعيّاً لأنها تكون عاجزة عن مَدِّ النَّشاط الفرديِّ بأسمى بواعثه المعلِّلَة. ولا ريب في أن بول فاليري (١) ( P. Valéry) قد أراد الإشارة إلى هذا المظهر من الأشياء عندما قال: ((كلُّ سياسة تنطوي- وإن كانت تجهل بصورة عامة أنها تنطوي- على نزعة غَيْبِيَّة كاملة، تبدأُ من الحسيَّة الأشدَّ غلظة، إلى النزعة الروحانيَّة الأكثر إقداماً)) ...

ومهما يكن من أمر، فإن الشعب الجزائريَّ هو الذي صنع الثورة؛ وكان الفلاَّح هو الذي حمل عِبْئَها قبل العامل، والمهتمُّ بالشؤون العقلية؛ فقد كانت الثورة في الواقع ثورة فلاَّحين لا بمجرد عدد شهدائها فحسب، ولكن بروحها كذلك.

وقد بدأت الثورة بمفهومية جدَّ بسيطة تتلخَّص في كلمة واحدة هي: (الاستقلاأل). وكان الفلاَّح الجزائري هو الذي أعطاها محتوى مفاهيمياً، في عبارات جدَّ بسيطة. وقد وضع فيها شعوره بالتضحية، وبالقِرى (أو كرم الضيافة)، وشعوره بالمقدَّسات؛ وهو الذي جعل منها معركة (مقدَّسة)؛ حيث لم يقم بذلك لا المهتمُّ بالشؤون العقلية، ولا حتى العامل الذي كان مُنْبَتَّ الجذور في قليل أو كثير عن أصوله الروحية والاجتماعية.


(١) P. Valéry ( نظرات من العالم المعاصر) ص ٩٩ Regards sur le monde actuel P ٩. [ ط. ف].

<<  <   >  >>