للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد كان الفلاح يناضل من أجل استقلال الجزائر، وهو على وعي بأنه شخص عربي وإنسان مسلم. وإذن فههنا تتمثَّل (رسالة) المليون ونصف المليون من شهدائنا الذين بذلوا حياتهم من أجل الوطن؛ وههنا يقوم معنى (الموثق الوطني) الذي كتبوه بدمائهم.

إلا أنه يتعين علينا هنا أن نطرح سؤالاً آخر:

ما هي النزعة الإسلامية التي يجب علينا أن نُدْرِجَها في منهاجنا المفاهيمي؟

فعلى الصعيد الاجتماعي، لا يَنْصَبُّ الحكم على قيمة غَيْبِيَّة، وإنما ينصبُّ على نشاط إنسانيٍّ؛ ونحن نلمس هنا كرَّةً أخرى عن طريق المراجعات، وجود ثغرة تُعْزَى للنهضة الإسلامية التي وضَعتْ بطريقة ضمنيَّة مشكلة متعلِّقة بالإيمان في مكان هي غير مثارة فيه؛ فالمسألة لا تتمثَّل في تلقين أو في إعادة تلقين المسلم عقيدتَه؛ ولكنها تتمثَّل في إعادة تلقينه استخدامها وفعَّاليتَها في الحياة. إلا أن المصلحين قد أغفلوا وضع هذه المشكلة.

ومن وجهة النظر الاجتماعية تجابهنا الظروف التاريخية بمأزق أحياناً، بحيث يتعين علينا أن نختار بين التمسك بحرفية الدين، أو بروحه، ما دام التمسك بروح الدين لا يضيع جانباً جوهريّاً منه؟ ...

ولقد جابه (عمر بن الخطاب) ذات مرة مثل هذه الحالة التي وضعته إزاءَ هذا المأْزق بالذات. فقد أدَّى القحط الذي تفشَّى في بداية عهد حكمه، والذي يسمِّيه المؤرِّخون (بعام الرَّمادة)، بأحد مواطني (المدينة) إلى سرقة الخبز لكي يقتات. وكانت هذه الحالة واضحة في نظر الفِقْه؛ حيث يجب قطع يد السارق. ولكن الخليفة العظيم في تعلقه بروح الدين بدلاً من حرفيَّته، أطلق السارق، وقدَّم له مع ذلك نصائحه حتى لا يقع ثانية تحت طائلة العقاب، مع تمويله بالزاد الضروري لحياته في انتظار ظروف أفضل.

<<  <   >  >>