للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المجال النفسي، بالنسبة إلى الدوافع السلبية التي تقاوم المقومات الديمقراطية في نفس العبد ونفس المستعبد، فهو يكون إذن مقياساً تقاس به الأشياء في هذا السياق، وتميز به النماذج المعروفة في التاريخ، من النموذج الذي حققته أثينة منذ ثلاثة آلاف سنة، إلى النموذج الذي تحققه الصين اليوم.

ولكننا عندما نعتبر هذه النماذج، عدا النموذج الإسلامي وبالنسبة إليه، نجد أنها تستهدف في أساسها، إما منح الإنسان بعض الحقوق السياسية التي يتمتع بها (المواطن) في البلاد الغربية، وإما الضمانات الاجتماعية التي يتمتع بها (الرفيق) في البلاد الشرقية.

أما الإسلام، فإنه يمنح قيمة تفوق كل قيمة سياسية أو اجتماعية. لأنها القيمة التي يمنحها له الله في القرآن في قوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ١٧/ ٧٠]. فهذا التكريم يكون- أكثر من الحقوق أو الضمانات- الشرط الأساسي للتعبير اللازم في نفس الفرد، طبقاً للشعور الديمقراطي سواء بالنسبة للأنا أم بالنسبة للآخرين، والآية التي تنص على هذا التكريم تبدو وكأنها نزلت لتصدير دستور ديمقراطي يمتاز عن كل النماذج الديمقراطية الأخرى، دون أن تعبر عنه نصوص قانونية محددة، فنظرة النموذج الإسلامي إلى الإنسان، هي نظرة إلى التكريم الذي وضعه الله فيه، أي نظرة إلى الجانب اللاهوتي فيه، بينما النماذج الأخرى تمنحه النظرة إلى الجانب الناسوتي والجانب الاجتماعي، فالتقويم الإسلامي يضفي على الإنسان شيئاً من القداسة، ترفع قيمته فوق كل قيمة تعطيها له النماذج المدنية.

والفرق ليس في المفردات ولكن في معناها، في واقع الأشياء بالنسبة إلى شعور الإنسان نحو نفسه ونحو الآخرين.

فالإنسان الذي يحمل بين جانبيه الشعور بتكريم الله له، يشعر بوزن هذا

<<  <   >  >>