للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يقع المسلم في وضع العبد الذي تستعبده الأوضاع الاقتصادية، أو أن يصبح الرجل المستبد وبيده صولجان الذهب.

وهكذا يتبيَّن، أن المبادئ التي قررها الإسلام في المجال السياسي والمجال الاجتماعي، ووضعها في أساس ما يمكن أن نطلق عليه (الديمقراطية الإسلامية)، قد تحققت فعلاً في واقع المسلمين. وقد كان أثرها حقيقياً في سلوك الأفراد وفي أعمال الحكم، على الأقل في فترة التخلق الديمقراطي التي عرفنا فيما سبق حدودها الزمنية في التاريخ الإسلامي.

ولا شك أن التقويم الأساسي للإنسان الذي قام عليه المشروع الديمقراطي في الإسلام، هو السبب الجوهري في هذا التحويل الذي حول المبادئ النظرية إلى حقائق اجتماعية ملموسة.

فقبل أن يذيع عمر اللائحة الخاصة بالأمهات المرضعات التي أشرنا إليها، أي قبل أن يصدر الحاكم أمره فقد كان الإنسان الذي يعود إلى نفسه في لحظة يراجع فيها ضميره فترتفع منه تلك الصرخة المثيرة التي سجلها التاريخ في آثار ابن الخطاب إذ صرخ ((يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين)) (١).

فلكي نعطي هذا الفصل قيمته، يجب ألا نتصور اطراده في الزمان، حيث يبدو أن العامل الحكومي قد سبق، بإصدار اللائحة التي أشرنا إليها، العامل الأخلاقي بل أن نتصوره أولاً في الضمير الذي كان يحتوي صرخة عمر قبل أن يصدر أمره الحكومي، الذي يسجل في النظام الإداري في صورة لائحة، الأثر الظاهر لنظام خلقي تحويه نفسه.


(١) من أراد أن يطلع على هذه القصة بأكملها يجدها في طبقات ابن سعد، الجزء ٣ قسم واحد [ص:٢١٧]، ونغتنم هنا الفرصة للتعبير عن شكرنا للأستاذ الكبير محمود شاكر الذي دلنا على هذا النص كما دلنا على نصوص الأحاديث الواردة هنا.

<<  <   >  >>