للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقلامنا، أو كان لهم بعض الصيت في زمنهم وبلادهم مثل (الأب لامانس)، إنهم لا يدخلون في موضوع بحثنا لأن إنتاجهم، على فرض أنه مسّ ثقافتنا إلى حد ما، إلا أنه لم يحرك ولم يوجّه بصورة شاملة مجموعة أفكارنا، لما كان في نفوسنا من استعداد لمواجهة أثره تلقائياً، مواجهة تدخلت فيها عوامل الدفاع الفطرية عن الكيان الثقافي، كما وقع ذلك في العهد الذي نشر فيه طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي)، على غرار ما تقتضيه مسلمة قدمها المستشرق مرجليوث قبل سنة من صدور كتاب طه حسين، الذي أثار تلك الزوبعة من السخط، التي تخللتها الصواعق المنطلقة من قلم مصطفى صادق الرافعي رحمه ّالله وأكرم مثواه.

ولكننا على عكس ذلك، نجد للمستشرقين المادحين الأثر الملموس، الذي يمكننا تصوّره بقدر ما ندرك أنه لم يجد في نفوسنا أي استعداد لردّ الفعل، حيث لم يكن هناك، في بادئ الأمر، مبرر للدفاع الذي فقد جدواه وكأنما أصبح جهازه معطلاً لهذا السبب في نفوسنا.

وموضوعنا هنا، هو أن نبيّن ما كان لهذه الثغرة في جهازنا للدفاع عن الكيان الثقافي، من أثر في تطور أفكار المجتمع الإسلامي منذ قرن، وأثناء هذا القرن العشرين على وجه الخصوص.

ولا شك أن المستشرقين المادحين، مثل رينو الذي ترجم جغرافية أبي الفداء، في أواسط القرن الماضي، ومثل دوزي الذي بعث قلمه قرون الأنوار العربية في إسبانيا، ومثل سيدييو الذي جاهد جهاد الأبطال طول حياته، من أجل أن يحقق للفلكي والمهندس العربي أبي الوفاء لقب المكتشف لما يسمى في علم الهيأة (القاعدة الثانية لحركة القمر)، ومثل آسين بلاثيوس، الذي كشف عن المصادر العربية للكوميدية الإلهية، لا شك، أن هؤلاء العلماء كتبوا لنصرة الحقيقة العلمية، وللتاريخ، وكل ذلك من أجل مجتعهم الغربي.

<<  <   >  >>