يجب أن نقف عند هذه الحقيقة، إن ما ينوب مجتمعاً ما في منعطفات التاريخ الخطير، ليس من قلة أشيائه ولكن من فقر أفكاره (١).
وما فاجعة سيناء، في غرة يونيو ١٩٦٧م، إلا المحك العملي الذي يبرز هذه الحقيقة العامة، في ظرف خاص للأمة العربية، ولعلنا يجدر بنا أن نقف عند هذا الظرف لنستخلص منه عبرة أخرى، ألا وهي أن النصر الخاطف الذي أحرزته إسرائيل في هذا الظرف، على كوم جامد من الأشياء التي كانت بيد العرب، أصبح يواجه على نفس الأرض صعوباتٍ لم يتوقعها، لأنه يواجه اليوم رجالاً تحركهم أفكار جديدة، بل رجالاً تجددوا هم بهذه الأفكار، إن قصف باخرة (إيلات) والموقف البطولي للفدائيين الفلسطينيين على حدود الأردن، وداخل الأراضي المحتلة، ليسا إلا تعبيراً واحداً على التحول الذي حدث، إثر النكبة، لا في عالم الأشياء بالنسبة للعرب، بل في عالم أفكارهم.
ولست أتعرض هنا لقضية الأفكار بالنسبة لمجتمعنا إلا بصورةٍ عابرةٍ، تاركاً هذا الموضوع المهم إلى فرصة أخرى.
وحاصل الأمر، أن الصدمة التي حصلت للضمير الإسلامي في القرن التاسع عشر وفي هذا القرن، تجاه الحضارة الغربية، كانت محسوسة في عالم أفكارنا على وجه الخصوص، وفي مجال الأفكار العلمية بالذات، بحيث كان لهذه الصدمة أثرها حتى في ميدان تفسير القرآن الكريم، ولا شك أن عملاً جباراً مثل تفسير طنطاوي جوهري، ذلك التفسير الذي لا نجد فيه كثيراً من الجدوى، يعزى قطعاً إلى هذا التأثير العلماني على أفكارنا، مع الملاحظة أنه يعبر في نفس الوقت على ظاهرة التكديس، تكديس المعلومات طبعاً، بحيث يصبح هذا
(١) يقول Ortegasy Gasset في كتاب ذكرناه سابقاً: ((كل الحضارات اختفت بسبب عدم كفاءة مبادئها)). [ط. ف].