العمل الشاق كله أقرب إلى دائرة معارف منه إلى تفسير القرآن، كما أنه يعبر عن ظاهرة جديدة، هي تلك العلمانية العقيمة التي ليست بالنسبة للفكر الإسلامي إلا عملية تعويضٍ في الميدان الذي شعر فيه أكثر بتحدي الحضارة الغربية.
والآن نستطيع القول، أن هذا الميدان بالذات كان التربة الخصبة التي وجدها الأدب الاستشراقي، من النوع الذي يتصف بالمدح والتمجيد، ليزرع فيها كل تلك المخدرات التي يتقبلها بكل شغفٍ مجتمعنا لأنها تخدر ضميره وتسليه، ولكن هذا الضمير لا زال في صراع داخلي تسكنه أحياناً مؤلفات مشارقة مثل طنطاوي جوهري، وأحمد رضا وفريد وجدي، أو مستشرقين مثل دوزي وغوستاف لوبون، أو تثير مؤلفات أخرى لمشارقة ومستشرقين آخرين في صورة استثاراتٍ وتحدياتٍ جديدة لما تستصغر هذه الطائفة أو تلك ما ساهم به العرب في تنمية العلوم، إبان حضارتهم، قاصرين دور هذه الحضارة على مجرد تبليغ ما أنتجه اليونان والرومان.
وإذا أردنا أن نخص إحدى هاتين الطائفتين بالذكر، نقول، أن بعض هؤلاء المشارقة المتتلمذين للمستشرقين يخفون عملهم التخريبي ضدّ الإسلام، بإيعازٍ واضحٍ من أوساطٍ استعماريةٍ، تحت رداء تقدمية جوفاء تحاول سلب الإسلام من كل قيمة حضاريةٍ، بل تنسب له حالة التخلف الراهنة في العالم الإسلامي.
ولا شك أن كتاب (الأيديولوجيات العربية في محضر الغرب)، الذي ظهر منه بضعة أشهر بتقديم من مكسيم رودنسون، لا شك أن هذا الكتاب المبني على منطق سفسطائي، ذو صلة متينة بهذا التيار، وأن صاحبه، التلميذ المراكشي لصاحب المقدمة، من هذه الشجرة التي يجوز لنا أن ننسب لها أيضاً من تلامذة المستشرقين، حتى أولئك الأبرياء الذين يضعون أقدامهم عن غير شعور في ثقافة الغرب بل في سياسته أيضاً، ويتقدمون هكذا بأنصاف الحلول لأنصاف