يبقى أن مفكرين آخرين في أبحاثهم التي تناولت الأسباب التي تجعل شعباً يسقط في تاريخه من أعلى القمم إلى الحضيض، قد توصلوا إلى النتائج ذاتها. هكذا استطاع (أ. توينبي) أن يكتب في (دراسات تاريخية) أن سبب الانحطاط يجب أن لا يفسر بضياع قيادة الوسط الإنساني تحت وطأة التطاول الأجنبي على حياة مجتمع معين. إذ أن العدو الخارجي لابدَّ له أن يرتكب أشد المكر في تسديد الضربة القاضية لشعب يقدم على انتحار محقق. وتناول (د. غروسيه) في (موازنة التاريخ) هذه المواضيع فقال: ((إن أية حضارة لا تنهار من الخارج دون أن تتآكل هي نفسها في البداية. إذ إن أية إمبراطورية لا تقهر من الخارج ما لم تكن قبل كل شيء قد انتحرت. أما (مونتسكيو) فإنه يؤكد في (تأملأت في أسباب عظمة الرومان وانحلالهم) فيقول: ((ليست الثروة هي التي تحكم العالم، ويمكن أن نرى ذلك عند الرومان الذين تمتعوا لفترة مستمرة بالرخاء حينما حكموا أنفسهم بسياق معين، ثم ولفترة غير منقطعة عادوا إلى الوراء عندما انقادوا في سياق آخر ... فإذا كانت صدفة معركة، أعني سبباً خاصاً قد دمَّرَ دولة، فإن هنالك سبباً عاماً يقضي بفناه تلك الدولة في معركة واحدة. وبكلمة واحدة فإن السياق الرئيسي يجرّ معه سائر الحوادث الخاصة)). وليس من العسير أن نشير هنا إلى أن سائر المفكرين الكبار، منذ أقدم العصور وليس أولئك الذين هم في محور الفكر الغربي قد اقتربوا من تفسير الظاهرة التي أشار إليها بن نبي بكلمة (القابلية للاستعمار Colonisabilité) . لنرى ما تحدث عنه هو نفسه في كتابه (وجهة العالم الإسلامي): ((وبهذا نفهم الاستعمار باعتباره (ضرورة تاريخية) فيجب أن نحدث هنا تفرقةً أساسيةً بين بلد مغزو محتل وبلد مستعمر. ففي الحالة الأولى يوجد تركيب سابق للإنسان، والتراب، =