وبعد الحرب العالمية الأُولى فحسب، استطاع الشعبُ الجزائريُّ أن يخرج من مرحلة ما قبل التاريخ المتَّفِقَة مع ما بَعْدَ عَهْدِ الموَحِّدين، لكي يَدْخُلَ إلى عالم القرن العشرين.
فالحركة الإصلاحية، والحركة الوطنيَّة، قد ظهرتا إلى النُّور في هذه الفترة بالذات.
وقد بدأت غشاوَةُ الأوشاب التي سادت ما بعد عهد الموحدين، في الانْفِراطِ والتَّفَتُّت، تحت تأثير جُهْدِ هذا النشاط الأخلاقيِّ والسياسيِّ المزدوج، الذي حرر الوعي الجزائريّ، وردَّه إلى جادَّة التّاريخ.
كما بدأ تاريخ النهضة الجزائرية، في هذه الفترة بالذات، مع تزايد الضَّغْط الاستعماريِّ الذي كان يرمي إلى استبقاء الطاقات المستيقظة تحت مراقبته.
فالتناقضُ الانفجاريّ الذي أدْخَلَ الجزائرَ إلى حيِّزِ الأزمنة العصريَّة، قد بدأ تاريخه من هذا الصِّدام القائم بين شعب اسْتَأْنَفَ سَيْرَه في الطريق، وإدارَة أجْنَبِيَّة كانت تعمل على إعاقَةِ هذا السَّير، باسْتِبْقائِها لضباب الاستعمار والقابلية للاستعمار ومحافظتها عليه.
وكان هذا الصِّدامُ يقتضي أن يؤول بصورة حَتْمِيَّة إلى: الثَّورة؛ للنَّشاط المسلَّح لشعب مصمِّم على تقويض الحواجز التي تَسُدُّ مستقبلَه، عازمٍ على الخروج من مرحلة القرون الوسطى مهما كان الثَّمن.
ولقد مَزَّقَ هذا النشاطُ الضَّباب الذي رانَ عليه، وإن كان لم يُزِحْهُ عنه إزاحةً تامةً، حيث تَبَقَّتْ على الطريق بعضُ الكَوْمات من هذا الضباب تُغَشّي آفاقَنا حتى هذا الحين.