في نهاية المحاضرة الأخيرة توصلنا إلى بضعة نتائج منها:
١ - أن المشاكل العديدة التي نطلق على مجموعها مصطلح (التَّخلُّف)، هي في الواقع تعبيرات مختلفة عن مشكلة واحدة ومفردة تواجه كلَّ بلاد متخلِّفة، أي أنها مشكلة (حضارة)، وذلك بشرط أن نتقبَّل هذه العبارة في استخدامنا لها، بصورة محدودة، وأعني بهذا أن تكون أقلَّ تعميماً من المعنى الذي اعتاد علم الإنسان ( Anthropologie) أن يفهمها عليه.
وبعبارة أخرى فالحضارة ليست كلَّ شكل من أشكال التَّنْظيم للحياة البشرية، في أيِّ مجتمع كان، ولكنها شكلٌ نوعيٌّ خاص بالمجتمعات النامية، بحيث يجد هذا الشكل نوعيته في استعداد هذه المجتمعات لأداء وظيفة معينة ليس المجتمع المتخلف في حالة تكيُّف معها لا من حيث رغبته، ولا من حيث قدرته، أو بعبارة أُخرى: لا من حيث أفكاره، ولا من حيث وسائله.
٢ - وأن هذه الرغبة، وهذه القدرة لدى المجتمع المتحضِّر، ناتجتان ليس عن تكديس منتجات الحضارة، ولكن عن تركيب أصيل لعناصر: التراب، والإنسان، والزمن.
٣ - وأننا إذ نفترض أن مشكلة التراب قد وجدت حلها، أو هي في طريقها إلى هذا الحل، كما هي الحال بالنسبة إلى الجزائر، حيث يتمُّ تحوير وضعيتها القانونية، وإعدادها الفني في علاقتهما الوظيفية بالاختيار الاشتراكي - فإن المشكلتَيْن الأُخْرَيَيْن مرتبطتان بطريقة عضوية بالمشكلة الأُولى، لأننا منذ مواجهتنا لمشكلة الإنسان المطروحة في نطاق النموِّ، نجد أن الزمن يواجهنا بالضرورة كَبُعْدٍ لفعَّالية الإنسان.
هذه هي مجموعة النتائج التي سبق أن توصلنا إليها. وهي تدلّنا منذ عثورنا عليها على الاتجاه الذي ينبغي لنا أن نسلكه إزاءَ مشكلة الثقافة التي تجابهنا