للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي تناولها بها المتعلِّم الجزائري؛ فهو لم يجعل منها موضوعاً للمطالبة، فاتحاً بذلك باب الديماغوجية، بل جعل منها موضوعاً لالتزام شخصي، ولعملٍ مستقلٍّ بذاته. فقد قام بتحويل ذاته، خارج دائرة وظيفته، إلى معلِّم أو أُستاذ، يزاول مهمته تحت سقف بيته الخاص، بحيث كان في إمكان التلميذ أو الطالب اليهودِيَّيْن أن يواصلا دروسهما في البيت بصورة عاديّة تقريباً، حسب مواقيت وبرامج ملائمة.

وفي هذه الظروف التي زادت من خطورة المشكلة بالنسبة إلى أطفالنا نحن، حتى في صورتها النسبيَّة، لأن إجراء الاستيلاء التحكُّميِّ زمن الحرب كان يمارس في حريَّة ضدَّ تعليمنا الحرّ، رأينا الأطفال اليهود ينفلتون مع ذلك من تأْثيرات صرامة الأحكام العنصريّة الخاصّة بقانون العدد المحدود لنورمبورغ ( Numérus Clausus de Nuremberg)، بفضل فعَّالية المتعلِّم اليهوديّ.

وهذه حالة تمكننا عند ملاحظتنا لفعَّالية الآخرين، وكلما قمنا بإعادة النظر إلى أنفسنا، من مشاهدة لافعَّاليّتنا الخاصة على مستوى نخبتنا، أي على المستوى الذي عهدنا فيه عادة أن تحقق ضمنه ثقافةٌ معيَّنة أقصى ما تملك من جهودها ومن تأْثيراتها.

إلا أن هذه الظروف نفسها تمدُّنا بحالة أُخرى، تكون عملية المقارنة ضمنها أكثر إفادة لنا في هذه المرَّة، وذلك على الصعيد السياسي. فالواقع أننا لا نزال نذكر في الثامن من شهر نوفبر سنة ١٩٤٢م، وعند حلول الحلفاء بالجزائر خاصة، أن غياب نخبتنا المتعلِّمة كان ملحوظاً في هذا الظرف بالخصوص؛ بينما كان أحد الأساتذة اليهود يتقدم في ذلك الحين باسم أبناء دينه مصحوباً بعدد معين من المطالب، كما لو كانت المجموعة التي ينتمي إليها هي المضطلعة بتمثيل الشخصية الجزائرية بكل ما يناط بها من أعباء، وما يُعزَى إليها من مصالح. ويمكننا ابتداء من هنا أن نقوم بملاحظتَيْن اثنتَيْن:

<<  <   >  >>