فيتولَّى التاريخُ تقديمَه لنا، لأن التاريخ نفسَه ليس إلا تقويماً لحركات اليد والفكر، فهو لا يعدو أن يكون في حدِّ ذاته غيرَ ذلك فِعْلاً في نهاية الحساب.
وأخيراً فإن المنطق العمليَّ ليس هو على نحو من الأنحاء إلا مدخلاً للفصل الموالي من فصول الثقافة، وهو المتمثِّل في الفنِّ الصياغيِّ الذي يتعلَّق بالعمل في مستوى التخصُّص، مع العلم بأن هذا التَّخصُّص يشمل الراعي كما يشمل فنَّ العالِم سواء.
فالثقافة التي يتمُّ تصوّرها في صيغة بيداغوجية هي كل هذا جميعاً؛ فهي تركيب متآلف للأخلاق، والجمال، والمنطق العملي، والفنِّ الصياغي.
وإذ تحقِّق بلاد كالجزائر هذا التركيب المتآلف، تكون قد حدَّدت أُسلوبَها في الحياة العامة، والسلوكَ الفعَّال لكل فرد من وَطَنِيِّيها. وتكون قد خلقت في النهاية مجموع الشروط التي تُهَيِّئُها لمواجهة مشاكل التَّخلُّف. ولكي يتمُّ إنجاز ذلك يتعيَّن أوَّلاً أن تكون البلاد المتخلِّفة على اقتناع بأن تثقيف الإنسان أكثر أهميَّة من تَثْقِيف نَباتِ الأرض من قبيل زراعة البطاطس على سبيل المثال ... ومهما يكن من شيء فإنه يتعيّن على الجزائر أن تؤول إلى حظيرة للثقافة، ومدرسة يتاح فيها لكل فرد أن يتعلَّم ويُعَلِّم، ومُخْتبَر يتمُّ فيه إعداد القيم الثقافية المتطابقة مع ضرورات النموِّ، ومُلتَقىً يتمكن الشعب داخله من إثارة قضايا الحقيقة والجمال ومناقشتها.