تكوِّن المفهومية بصورة عامة جزءاً من ظاهرة القرن العشرين الذي تَمَّ تعميده عند ميلاده، باسم: قرن البخار.
إلا أن العامل الفنِّي قد حوَّل منذ ذلك الحين جميع شروط الحياة البشرية، وعجَّل حركة التاريخ؛ ومن ثَمَّ أُعيد تعميد قرننا على التوالي باسم: قرن الكهرباء، ثم الطاقة الذريَّة، وأخيراً: قرن الفضاء.
ولكن هذا القرن كان يولد تحت جميع تلك المظاهر الفنيَّة حقيقة بشرية كبرى: فمفعول القوة الذي أطلق عنان الحربين العالميتين قد تمَّ وقفه بمفعوله المضادِّ، نتيجة إبرازه لبؤرة حرب عالمية ثالثة.
ومنذئذ تخلَّت علاقات القوة عن مكانها لعلاقات جديدة، راضخة لمعايير الأفكار؛ بحيث أصبحت الديموقراطية، والاشتراكية، والسلام، تمثِّل فواتح لجميع الدساتير الوطنية، وتطبع بمَيْسِمها القبلة التي يتَّجه صوبها تطور البشريَّة.
ويبدو أن هذه الأفكار الثلاثة، تصور مقدَّماً عناصر دستور شامل، وتكوِّن منذ الآن مبادئ مفهوميَّة عالميَّة، لكي تتوِّج عمل الإنسان وهو ينخرط في العهد العالمي (١).
ولكن هذه المفهومية لمّا تحقِّق بعد شروط وحدتها داخل العالَم. إذ يبدو في الواقع أن هناك ثلاث جبهات: جبهة الديموقراطية مع مواقعها الاستراتيجية في
(١) نلاحظ أن هذا المصطلح المستخلص من قبل بن نبي لأول مرة منذ ما يقارب الثلاثين عاماً في مؤلفه (وجهة العالم الإسلامي) قد ألهم فلسفة سياسية تجد أصداءها غالباً على فم الرئيس الفرنسي الحالي. [ط. ف].