٦٨٧ - أناه النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُمَيْرٍ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَتْ أَرْضٌ يُقَالُ لَهَا: عَرْبُ السُّوسِ، بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ مَتْرُوكَةً عَلَى أَنْ لَا يُخْفُوا عَلَى هَؤُلَاءِ عَوْرَةَ أُولَئِكَ، وَلَا عَلَى أُولَئِكَ عَوْرَةَ هَؤُلَاءِ، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَيْرٌ إِلَى عُمَرَ: إِنَّ أَهْلَ عَرْبِ السُّوسِ يُخْبِرُونَ الْعَدُوَّ بِعَوْرَاتِنَا وَلَا يُخْبِرُونَا بِعَوْرَاتِهِمْ ⦗٤١٩⦘ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: «أَنْ أَعْرِضْ عَلَيْهِمْ مَكَانَ كُلِّ حِمَارٍ حِمَارَيْنِ وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَأَعْطِهِمْ وأَجْلِهِمْ مِنْهَا وَخَرِّبْهَا فَإِنْ أَبَوْا فَأَجِّلْهُمْ سَنَةً وَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَجْلِهِمْ مِنْهَا وَخَرِّبْهَا» ، قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً، ثُمَّ أَجْلَاهُمْ مِنْهَا وَخَرَّبَهَا. حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
٦٨٨ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ مَدِينَةٌ بِالثَّغْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَدَثِ، يُقَالُ لَهَا عَرْبُ السُّوسِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فَصَارُوا إِلَى هَذَا وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَرَضَ مِنَ الْجَلَاءِ، وَأَنْ يُعْطَوُا الضِّعْفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَنَّ النَّكْثَ كَانَ مِنْ طَوَائِفَ مِنْهُمْ، دُونَ إِجْمَاعِهِمْ، وَلَوْ أَطْبَقَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا الْقِتَالَ وَالْمُحَارَبَةَ. حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
٦٨٩ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا الْآنَ قَرِيبًا فِي دَهْرِ الْأَوْزَاعِيِّ لِمَوْضِعٍ بِالشَّامِ، يُقَالُ لَهُ جَبَلُ لُبْنَانَ، وَكَانَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ، فَأَحْدَثُوا حَدَثًا، وَعَلَى الشَّامِ يَوْمَئِذٍ صَالِحُ بْنُ ⦗٤٢٠⦘ عَلِيٍّ فَحَارَبَهُمْ، وَأَجْلَاهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ، فِيمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ فِيهَا: " قَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي إِجْلَاءِ ذِمَّتِكُمْ مِنْ أَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ تَوَالَى عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ جَمَاعَتُهُمْ وَلَمْ يُطْبِقْ عَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ، فَقُتِلَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى قُرَاهُمْ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ بَعْدَمَا كَادَتْ تُوَلِّي فَأَصْبَحَ جَنَابُهُمْ آمِنًا، مُذْعِنِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَلَى ذُلٍّ، نَادِمِينَ وَإِنْ كَانَتْ بُعُوثُكُمْ لَيَتَقَوَّوْنَ بِأَطْعِمَتِهِمْ وَأَعْلَافِهِمْ وَيُطَيِّفُوا الْعَامَّةَ مِنْهُمْ، وَيَسْتَدِلُّونَهُمْ عَلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي كَانَ يُنْتَقَلُ فِيهَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ هَذِهِ حَالَتُهَا بِعَمَلِ خَاصَّةٍ؟ فَيَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا تُؤْخَذَ عَامَّةٌ بِعَمَلِ خَاصَّةٍ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْخَاصَّةَ بِعَمَلِ الْعَامَّةِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَأَحَقُّ مَا اقْتُدِيَ بِهِ وَوُقِفَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ وَأَحَقُّ الْوَصَايَا أَنْ تُحْفَظَ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ: «مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ» وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رِيحَ ⦗٤٢١⦘ الْجَنَّةِ» ، وَإِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فِي ذِمَّةٍ، فَإِنَّ لَهُ فِي نَفْسِهِ , وَالْعَدْلُ عَلَيْهَا مِثْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَبِيدٍ، فَتَكُونُوا فِي تَحْوِيلِهِمْ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ فِي سَعَةٍ وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ: يُرْجَمُ مُحْصَنُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَتُحَاصُّ نِسَاؤُهُمْ نِسَاءَنَا مَنْ تَزَوَّجَهُنَّ مِنَّا الْقَسْمَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ سَوَاءً، مُقِيمِينَ فِي قُرَاهُمْ وَأَمْوَالٍ أَتْلَدُوهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفِي الْإِسْلَامِ، مُذْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ قَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ، فِي سِيَاحَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِمْ، لَا يُخَرَّبُ عَامِرٌ فَكَيْفَ بِتَخْرِيبِ عَامِرٍ أَجَازَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ رِسَالَةً طَوِيلَةً. أَنَا حُمَيْدٌ
٦٩٠ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثٌ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالرُّومِ، قَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ صَالَحَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى خَرْجٍ يُؤَدُّونَهُ وَهُمْ مَعَ هَذَا يُؤَدُّونَ إِلَى الرُّومِ خَرْجًا أَيْضًا فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ عَلَى الثُّغُورِ فَكَانَ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَيْضًا أَوْ ⦗٤٢٢⦘ مِنْ بَعْضِهِمْ رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ ذَلِكَ نَكْثًا لِعَهْدِهِمْ وَالْفُقَهَاءُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عِدَّةٍ مِنْهُمْ يُشَاوِرُهُمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ فَكَانَ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ فَكُلُّهُمْ أَجَابَهُ عَلَى كِتَابِهِ فَوَجَدْتُ رَسَائِلَهُمْ إِلَيْهِ، قَدِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْ دِيوَانِهِ فَاخْتَصَرْتُ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَقَصَدُوا لَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ، وَإِنْ غَدَرَ بَعْضُهُمْ , أَكْثَرُ مِمَّنْ أَشَارَ بِالْمُحَارَبَةِ. فَكَانَ مِمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: " إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَمْ نَزَلْ نَتَّهِمُهُمْ بِالْغِشِّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُنَاصَحَةِ لِلرُّومِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨] وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَنْبِذْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ خِيَانَتَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ يَنْظُرُوا سَنَةً يَأْتَمِرُونَ فَمَنْ أَحَبَّ اللِّحَاقَ مِنْهُمْ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً، يُؤَدِّي الْخَرَاجَ، فَعَلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَحَّى إِلَى الرُّومِ فَعَلَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِقُبْرُسَ عَلَى الْحَرْبِ أَقَامَ فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ فَإِنَّ فِي إِنْظَارِ سَنَةً قَطْعًا لِحُجَّتِهِمْ وَوَفَاءً بِعَهْدِهِمْ " ⦗٤٢٣⦘. وَكَانَ مِمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: " إِنَّا لَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قَوْمًا فَنَقَضُوا الْعَهْدَ، إِلَّا اسْتَحَلَّ قَتَلَهُمْ، غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ نَقْضُهُمُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ غَزْوَهُمْ أَنْ قَاتَلَتْ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ، فَنَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بَنِي بَكْرٍ عَلَى حُلَفَائِهِ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ غَزْوَهُمْ وَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَقَضُوا {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٣] إِلَى قَوْلِهِ {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤] وَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ أَيْضًا {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: ٥٥] إِلَى قَوْلِهِ {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: ٥٧] ، وَكَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُلْحِهِ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ. فَالَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْعِلْمِ، أَنَّ مَنْ نَقَضَ شَيْئًا مِمَّا عُوهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى نَقْضِهِ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ. وَكَانَ مِمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: " أَنَّ أَمَانَ أَهْلِ قُبْرُسَ قَدْ كَانَ قَدِيمًا مُتَظَاهِرًا مِنَ الْوُلَاةِ فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ أَمَانَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ ذُلٌّ وَصَغَارٌ لَهُمْ، وَقُوَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، لِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَيُصِيبُونَ بِهِمْ مِنَ الْفُرْصَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْوُلَاةِ نَقَضَ صُلْحَهُمْ وَلَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ وَأَنَا أَرَى ⦗٤٢٤⦘ أَنْ لَا تُعَجِّلَ نَقْضَ عَهْدِهِمْ وَمُنَابَذَتَهُمْ حَتَّى تُعْذِرَ إِلَيْهِمْ، وَتُوَجِّهَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا غِشَّهُمْ، وَرَأَيْتَ أَنَّ الْغَدْرَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِمْ، أَوْقَعْتَ بِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ وَأَقْرَبَ مِنَ النَّصْرِ لَكَ، وَالْخِزْيِ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَنَا حُمَيْدٌ وَكَانَ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ: وَكَانَ مِمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ: " أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا خَلَا، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْوُلَاةُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى، نَقَضَ عَهْدَ أَهْلِ قُبْرُسَ وَلَا غَيْرِهَا وَلَعَلَّ جَمَاعَتَهُمْ لَمْ تُمَالِئْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَاصَّتِهِمْ وَإِنِّي أَرَى الْوَفَاءَ لَهُمْ وَإِتْمَامَ تِلْكَ الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ قَالَ مُوسَى: وَقَدْ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْمٍ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَخْبَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَاتِهِمْ، وَدَلُّوهُمْ عَلَيْهَا قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِ فَإِنْ شَاءَ الْوَالِي قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ، وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: «إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ تَغْلِبُهُمُ الرُّومُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَدْ حَقَّ عَلَيْنَا ⦗٤٢٥⦘ أَنْ نَمْنَعَهُمْ وَنَحْمِيَهُمْ، وَقَدْ كَتَبَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ لِأَهْلِ أَرْمِينِيَةَ إِنَّهُ إِنْ عَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ شُغُلٌ عَنْكُمْ، وَقَدْ قَهَرَكُمْ عَدُوُّكُمْ، فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مَأْخُوذِينَ، وَلَا نَاقَضٌ ذَلِكَ عَهْدَكُمْ، بَعْدَ أَنْ تَفُوا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنَا أَرَى أَنْ يُقَرُّوا عَلَى عَهْدِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ كَانَ أَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَفْظَعَ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ فُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا وَلِي يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَدَّهُمْ إِلَى قُبْرُسَ فَاسْتَحْسَنَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَرَأَوْهُ عَدْلًا» . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ: «إِنَّ أَمْرَ قُبْرُسَ كَأَمْرِ عَرْبِ السُّوسِ، فَإِنَّ فِيهَا قُدْوَةً حَسَنَةً وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً فَإِنْ صَارَتْ قُبْرُسُ لِعَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ عَرْبُ السُّوسِ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَلَى حَالِهَا وَالصَّبْرَ عَلَى مَا فِيهَا لِمَا فِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ جِزْيَتِهَا وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهَا أَفْضَلُ وَإِنَّمَا كَانَ أَمَانُهَا وَتَرْكُهَا لِذَلِكَ. وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ بِمِثْلِ مَنْزِلَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ إِلَّا وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَّقَى مِنْهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَكُلُّ أَهْلِ عَهْدٍ لَمْ يُقَاتِلِ ⦗٤٢٦⦘ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَتَمْضِي أَحْكَامُهُمْ فِيهِمْ، فَلَيْسُوا بِذِمَّةٍ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ فِدْيَةٍ يُكَفُّ عَنْهُمْ مَا كَفُّوا، وَيُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ مَا وَفَّوْا، وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ عَفْوُهُمْ مَا أَدَّوْا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَقِيَّةٍ يَتَّقُونَهَا، أَوْ ضِعْفٍ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ، أَوْ شُغُلٍ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُضْطَرِّينَ إِلَى صُلْحِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ أَعِزَّاءَ فِي صُلْحِهِمْ، لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ ذِلَّةٌ وَلَا صِغَارٌ» وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ: " إِنَّا لَمْ نَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِأَمْرِ قُبْرُسَ مِنْ أَمْرِ عَرْبِ السُّوسِ، وَمَا حَكَمَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهَا وَقَدْ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَتَحُوا قُبْرُسَ وَتُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ، وَصُولِحُوا عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، سَبْعَةُ آلَافٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَبْعَةُ آلَافٍ لِلرُّومِ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ عَدُوِّهِمْ، وَلَا يَكْتُمُوا الرُّومَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: مَا وَفَّى لَنَا أَهْلُ قُبْرُسَ قَطُّ وَإِنَّا نَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَهْلُ عَهْدٍ، وَأَنَّ صُلْحَهُمْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ شَرْطٌ لَهُمْ، وَشَرْطٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ نَقْضُهُ، إِلَّا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ غَدْرُهُمْ وَنَكْثُ عَهْدِهِمْ. " أضنَا حُمَيْدٌ
٦٩١ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى أَكْثَرَهُمْ قَدْ وَكَّدَ الْعَهْدَ وَنَهَى عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ، حَتَّى يُجْمِعُوا جَمِيعًا عَلَى النَّكْثِ وَهَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ ⦗٤٢٧⦘ يُتَّبَعَ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ الْعَوَّامُ بِجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُمَالَأَةٍ مِنْهُمْ، وَرَضِيَ بِمَا صَنَعَتِ الْخَاصَّةُ، فَهُنَاكَ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute