للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: كلا ثم كلا وهاك البيان من وجوه:

الأول: أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن اسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام ولم يرد شئ من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب السنة ومسند أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها ضعيفا بل موضوعا عند بعض المحققين (٧٧) وغاية ما وري في ذلك من آثار معضلات بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في " أخبار مكة " (ص ٣٩ و ٢١٩ و ٢٢٠) فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات (٧٨) . ونحو ذلك ما أورد السيوطي في " الجامع " من رواية الحاكم في " الكنى " عن عائشة مرفوعا بلفظ:

إن قبر إسماعيل في الحجر

الوجه الثاني: أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى فلا ضرر من وجودها في بطن أرض المسجد فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض لظهور الفرق بين الصورتين وبهذا أجاب الشيخ على القاري رحمه الله الله تعالى فقال في " مرقاة المفاتيح " (١ / ٤٥٦) بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق:

وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا

قال القاري:

وفيه أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة فلا يصلح

الاستدلال

وهذا جواب عالم نحرير وفقيه خريت وفيه الإشارة إلى ما ذكرناه آنفا وهو أن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة وأن ما في بطن الأرض من القبور فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر بل الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى:} ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا {. قال الشعبي:

بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم

(٧٩)


(٧٧) - نقل السيوطي في " التدريب " عن ابن الجوزي " قال:
ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين العقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجا من دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة
كذا في الباعث الحثيث " (ص ٨٥ من الطبعة الثانية)
(٧٨) - " انظر إحياء المقبور " (٤٧٤٨)
ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الآثارالواهية على جواز الصلاة في المقبرة بقصد الاستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته (١) لا للتعظيم له والتوجه نحوه وهذا مع أنه لا دليل فيها على ما زعمه من الجواز فهو مخالف لعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في المقبرة وما شابهها من المساجد المبنية على القبور ولهذا رد المناوي احتجاج المفسر المشار إليه بقوله:
لكن خبر الشيخين كراهة () بناء المساجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد
وقال الصنعاني في " سبل السلام " (٢ / ٢١٤) معتقبا عليه أيضا:
قوله: (لا لتعظيم له) يقال: قصد التبرك به تعظيم له ثم أحاديث النهي مطلقة ولا دليل على التعليل بما ذكر والظاهر أن العلة سد للذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع ولا تضر ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر
(٧٩) - رواه الدولابي (١ / ١٢٩) عنه ورجاله ثقات

<<  <   >  >>