قلت: فهذا الكفر أشد من كفر المشركين لأن هذا فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضا وهو مما لا نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم وأما الشرك في الألوهية فهو أكثر في جهال هذه الأمة ولا أقول عوامهم فإذا كان هذا حال المسلمين اليوم وقبل اليوم فكيف يقول هذا الرجل:
وقد انتفت العلة برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين
؟
وإذا كان يريد ب " المؤمنين " الصحابة رضي الله عن هم فلا شك أنهم كانوا مؤمنين حقا عالمين بحقيقة التوحيد الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الشريعة الإسلامية شريعة عامة أبدية فلا يلزم من انتفاء العلة ولو ثبت بالنسبة إليهم أن ينتفي الحكم بالنسبة لمن بعدهم لأن العلة لا تزال قائمة والواقع أصدق شاهد على ذلك
الوجه الثاني:
علمت مما سبق من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته بل في مرض موته فمتى زالت العلة التي ذكرها؟ إن قيل: زالت عقب وفاته صلى الله عليه وسلم فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه صلى الله عليه وسلم لأن القول بذلك يستلزم بناء على ما سبق من كلامه أن الإيمان لم يكن قد رسخ بعد في نفوس الصحابة رضي الله عن هم وإنما رسخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم وهذا مما لا أتصور أحدا يقول به لوضوح بطلانه. وإن قيل: زالت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم قلنا: وكيف ذلك وهو صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك في آخر نفس من حياته؟ ويؤيده:
الوجه الثالث: أن في بعض الأحاديث المتقدمة باستمرار الحكم إلى قيام الساعة كالحديث (١٢)
الوجه الرابع: أن الصحابة رضي الله عن هم إنما دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم خشية أن يتخذ قبره مسجدا كما تقدم عن عائشة رضي الله عن ها في الحديث (٤) فهذه خشية إما أن يقال: إنها كانت منصبة على الصحابة أنفسهم أو على من بعدهم فإن قيل بالأول قلنا فالخشية على من بعدهم أولى وإن قيل بالثاني وهو الصواب عندنا فهو دليل قاطع على أن الصحابة رضي الله عن هم كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم لا في عصرهم ولا فيما بعدهم فالزعم بخلاف رأيهم ضلال بين. ويؤيده: