لقد كَانَ فضلُ السبْق فِي تدوين علم أصُول الْفِقْه للْإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي ـ رَحمَه الله ـ، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء، وَإِن زعم مَن زعم خلاف ذَلِك؛ حَيْثُ ألّف ـ رَحمَه الله ـ كِتَابه (الرسَالَة) بعد أَن استقرَّ بِمصْر؛ حَيْثُ ضمنهَا أهم المباحث الْأُصُولِيَّة؛ فَتكلم عَن الْقُرْآن وَالسّنة، والناسخ والمنسوخ، وَقَول الصَّحَابِيّ، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، وَالْأَمر وَالنَّهْي، وَالْعَام وَالْخَاص، والمجمل والمبين، وَالِاجْتِهَاد والتقليد، وشروط الْمُفْتِي، وَغير ذَلِك.
فَكَانَت تِلْكَ الْمسَائِل محورًا للمؤلفين فِي علم أصُول الْفِقْه ـ لاسيما من عرفت طريقتهم فِيمَا بعد بطريقة الشَّافِعِيَّة أَو الْمُتَكَلِّمين أَو الْجُمْهُور ـ، فدرست رسَالَته، وشرحت، ونوقشت، واستدرك عَلَيْهَا.
وَهَكَذَا تَتَابَعَت المؤلفات ونمت وَكَثُرت.
لذا أحببتُ أَن أجمع تِلْكَ المؤلفات فِي كتاب وَاحِد؛ مستخرجاً إِيَّاهَا من كتاب (كشف الظنون عَن أسامي الْكتب والفنون) للْمولى مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرُّومِي الْحَنَفِيّ الشهير بالملا كَاتب الجلبي، وَالْمَعْرُوف بحاجي خَليفَة؛ وَكتاب (إِيضَاح الْمكنون) ، وَكتاب (هَدِيَّة العارفين) ، وَكِلَاهُمَا لإسماعيل باشا الْبَغْدَادِيّ.