والأمر الغريب، أنَّ كلَّ الأمم المنحطّة من جميع الأديان تحصر بلية انحطاطها السياسي في تهاونها بأمور دينها، ولا ترجو تحسين حالتها الاجتماعية إلا بالتمسُّك بعروة الدين تمسكاً مكيناً، ويريدون بالدين العبادة، ولنِعم الاعتقاد لو كان يفيد شيئاً، لكنه لا يفيد أبداً؛ لأنه قولٌ لا يمكن أن يكون وراءه فعل، وذلك أنَّ الدين بذرٌ جيد لا شبهة فيه، فإذا صدقت مغرساً طيباً نبت ونما، وإن صادف أرضاً قاحلة مات وفات، أو أرضاً مغراقاً هاف الاستبداد بصرها وبصيرتها، وأفسد أخلاقها ودينها، حتى صارت لا تعرف للدين معنى غير العبادة والنسك اللذين زيادتهما عن حدِّهما المشروع أضرُّ على الأمة من نقصهما كما هو مشاهد في المتنسكين.
نعم! الدين يفيد الترقّي الاجتماعي إذا صادف أخلاقاً فطرية لم تفسد، فينهض بها كما نهضت الإسلامية بالعرب، تلك النهضة التي نتطلبها منذ ألف عام عبثاً.
وقد علَّمنا هذا الدهر الطويل -مع الأسف- أنَّ أكثر الناس لا يحفلون بالدين إلا إذا وافق أغراضهم، أو لهواً ورياءً، وعلمنا أنَّ الناس عبيد منافعهم وعبيد الزمان، وأنَّ العقل لا يفيد العزم عندهم، إنما العزم عندهم يتولّد من الضرورة أو يحصل بالسائق المجبر. ولا يستحي الناس من أن يُلزموا أنفسهم باليمين أو النذر. بناءً عليه؛ ما أجدر بالأمم المنحطّة أن تلتمس دواءها من طريق