للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجبّار وجهول وأثيم. ما ذكر الله تعالى الإنسان في القرآن إلا وهجاه، فقال: {قُتِل الإنسانُ ما أكفره}؛ {إنَّ الإنسان لكفورٌ}؛ {إنَّ الإنسان لفي خُسٍ}؛ {إنَّ الإنسان ليطغى}؛ {وكان الإنسان عَجولاً}؛ {خُلِق الإنسان من عَجَلٍ}. ما وُجِد من مخلوقات الله من نازع الله في عظمته، والمستبدّون من الإنسان ينازعونه فيها، والمتناهون في الرّذالة قد يقبحون عبثاً لغير حاجة في النَّفس حتى وقد يتعمدون الإساءة لأنفسهم.

الإنسان في نشأته كالغصن الرَّطب، فهو مستقيمٌ لدِنٌ بطبعه، ولكنّها أهواء التربية تميل به إلى يمين الخير أو شمال الشرّ، فإذا شبَّ يبس وبقي على أمياله ما دام حياً، بل تبقى روحه إلى أبد الآبدين في نعيم السرور بإيفائه حقَّ وظيفة الحياة أو في جحيم الندم على تفريطه. وربما كان لا غرابة في تشبيه الإنسان بعد الموت بالمرء الفرح الفخور إذا نام ولذَّت له الأحلام، أو بالمجرم الجاني إذا نام فغشيته قوارص الوجدان بهواجس كلُّها ملام وآلام.

التربية ملكةٌ تحصل بالتعليم والتمرين والقدوة والاقتباس، فأهمُّ أصولها وجود المرابين، وأهمُّ فروعها وجود الدين. وجعلت الدين فرعاً لا أصلاً؛ لأنَّ الدين علمٌ لا يفيد العمل إذا لم يكن مقروناً بالتمرين. وهذا هو سبب اختلاف الأخلاف من علماء الدين عند الإسلام عن أمثالهم من البراهمة والنصارى، وهو سبب إقبال المسلمين في القرن الخامس، وفيما بعده، على قبول أصول الطرائق التي كانت لبّاً محضاً لما كانت تعليماً وتمريناً؛ أي تربية للمريدين، ثمَّ خالطها القشر، ثمَّ صارت قشراً محضاً، ثمَّ صار أكثرها

<<  <   >  >>