التوضيحات من السُّنَّة العملية النبوية أو الإجماع إن وجدا، وقلَّما يوجدان، فحينئذٍ لا نرى فيه من أولِّه إلى آخره غير حِكَمٍ يتلقّاها العقل بالإجلال والإعظام، إلى درجة انقياد العقل طوعاً أو كرهاً للإيمان إجمالاً بأنَّ تلك الحِكَم حِكَمٌ عزيزة إلهية، وأنَّ الذي أنزلها الله على قلبه هو افضل من أرسله الله مرشداً لعباده.
وتوضيح ذلك: أنَّ الناظر في القرآن حقّ النظر يرى أنَّه لا يكلِّف الإنسان قطّ بالإذعان لشيء فوق العقل، بل يحذِّره وينهاه من الإيمان اتِّباعاً لرأي الغير أو تقليداً للآباء. ويراه طافحاً بالتنبيه إلى أعمال الإنسان فكره ونظره في هذه الكائنات وعظيم انتظامها، ثمَّ الاستدلال بذلك إلى أنَّ لهذه الكائنات صانعاً أبدعها من العدم، ثمَّ الانتقال إلى معرفة الصِّفات التي يستلزم العقل أن يكون هذا الصانع متَّصِفاً بها، أو منزَّهاً عنها، ثمَّ يرى القرآن يعلِّم الإنسان بعض أعمال وأحكام وأوامر ونواهي كلّها لا تبلع المائة عدداً، وكلُّها بسيطة معقولة، إلا قليلاً من الأمور التعبُّدية التي شُرِّعت لتكون شعاراً يعرف به المسلم أخاه، أو يستطلع من خلال قيامه بها أو تهاونه فيها أخلاقه، فيستدلُّ مثلاً بالتّكاسل عن الصلاة على فَقدِ النشاط، وبترك الصوم على عدم الصبر، وبالسُّكر على غلبة النفس والعقل ونحو ذلك.
وكفى بالإسلامية رقيّاً في التشريع، رقيّها بالبشر إلى منزلة حصرها أسارة الإنسان في جهة شريفة واحدة وهي (الله)، وعتقها عقل البشر عن توهُّم وجود قوة ما، في غير الله، من شأنها أن تأتي للإنسان بخيرٍ ما، أو تدفع عنه