والتواكل فجعلاهما آلة تُدار ولا تدير. وأسألكم عفوهم من العتاب والملام، لأنَّهم مرضى مبتلون، مثقلون بالقيود، ملجمون بالحديد، يقضون حياة خير ما فيها أنَّهم آباؤكم! ".
"قد علمتم يا نُجَباء من طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد جُمَلاً كافية للتدبُّر، فاعتبروا بنا واسألوا الله العافية:
نحن ألِفنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابنا. ألِفنا الثبات ثبات الأوتاد تحت المطارق، ألِفنا الانقياد ولو إلى المهالك. ألِفنا أن نعتبر التَّصاغر أدباً والتذلُّل لطفاً، والتملُّق فصاحةً، واللكنة رزانة، وترك الحقوق سماحةً، وقبول الإهانة تواضعاً، والرِّضا بالظُّلم طاعة، ودعوى الاستحقاق غروراً، والبحث عن العموميات فضولاً، ومدَّ النَّظر إلى الغد أملاً طويلاً، والإقدام تهوُّراً، والحمية حماقة، والشّهامة شراسة، وحريَّة القول وقاحة، وحريّة الفكر كُفراً، وحبَّ الوطن جنوناً.
أما أنتم، حماكم الله من السوء، فنرجو لكم أن تنشؤوا على غير ذلك، أن تنشؤوا على التمسُّك بأصول الدين، دون أوهام المتفننين، فتعرفوا قدر نفوسكم في هذه الحياة فتكرموها، وتعرفوا قدر أرواحكم وأنَّها خالدة تُثاب وتُجزى، وتتَّبعوا سُنن النبيين فلا تخافون غير الصانع الوازع العظيم. ونرجو لكم أن تبنوا قصور فخاركم على معالي الهمم ومكارم الشيَّم، ولا على عظام نخرة. وأن تعلموا أنَّكم خُلِقتم أحراراً لتموتوا كراماً، فاجهدوا على أن تحيوا ذلكما اليومين حياةً رضيّة، يتسنّى فيها لكلٍّ منكم أن يكون سلطاناً