وربما يستريب في ذلك المطالع المولود في أرض الاستبداد، الذي لم يدرس أحوال الأمم في الوجود، ولا عتب عليه فإنَّه كالمولود أعمى لا يُدرك للمناظر البهية معنى.
قد بلغ الترقّي في الاستقلال الشخصي في ظلال الحكومات العادلة، لأنْ يعيش الإنسان المعيشة التي تشبه في بعض الوجوه ما وعدته الأديان لأهل السعادة في الجنان. حتى إنَّ كلًّ فردٍ يعيش كأنه خالدٌ بقومه ووطنه، وكأنه أمينٌ على كلِّ مطلب، فلا هو يكلِّف الحكومة شططاً ولا هي تهمله استحقاراً:
١ - أمينٌ على السلامة في جسمه وحياته بحراسة الحكومة التي لا تغفل عن محافظته بكلِّ قوتها في حضره وسفره بدون أن يشعر بثقل قيامها عليه، فهي تحيط به إحاطة الهواء، لا إحاطة السور يلطمه كيفما التفت أو سار.
٢ - أمينٌ على الملذَّات الجسمية والفكرية باعتناء الحكومة في الشؤون العامة، المتعلِّقة بالترويضات الجسمية والنظرية والعقلية حتى يرى أنَّ الطرقات المسهلة، والتزيينات البلدية، والمتنزهات، والمنتديات، والمدارس، والمجامع، ونحو ذلك، قد وُجِدت كلُّها لأجل ملذّاته، ويعتبر مشاركة الناس له فيها لأجل إحسانه، فهو بهذا النظر والاعتبار لا ينقص عن أغنى الناس سعادةً.