ذلك أفكار كلِّ طبقاتها، والأولى أن يبقى ذلك تحت مخض العقول سنين، بل عشرات السنين حتى ينضج تماماً، وحتى يحصل ظهور التلهّف الحقيقي على نوال الحرية في الطبقات العليا، والتمنّي في الطبقات السفلى، والحذر كل الحذر من أن يشعر المستبد بالخطر، فيأخذ بالتحذُّر الشديد، والتنكيل بالمجاهدين، فيكثر الضجيج، فيزيغ المستبدُّ ويتكالب، فحينئذٍ إما أن تغتنم الفرصة دولة أخرى فتستولي على البلاد، وتجدِّد الأسر على العباد بقليلٍ من التعب، فتدخل الأمَّة في دورٍ آخر من الرقِّ المنحوس، وهذا نصيب أكثر الأمم الشرقية في القرون الأخيرة، وإمَّا أن يساعد الحظّ على عدم وجود طامع أجنبي، وتكون الأمَّة قد تأهَّلت للقيام بأن تحكم نفسها بنفسها، وفي هذه الحال يمكن لعقلاء الأمَّة أن يكلِّفوا المستبدَّ ذاته لترك أصول الاستبداد، واتِّباع القانون الأساسي الذي تطلبه الأمة. والمستبدُّ الخائر القوى لا يسعه عند ذلك إلا الإجابة طوعاً، وهذا أفضل ما يصادَف. وإن أصرَّ المستبدُّ على القوّة، قضوا بالزوال على دولته، وأصبح كلٌّ منهم راعياً، وكلٌّ منهم مسؤولاً عن رعيته، وأضحوا آمنين، لا يطمع فيهم طامع، ولا يُغلبون عن قلّة، كما هو شأن كلِّ الأمم التي تحيا حياةً كاملة حقيقية، بناءً عليه؛ فليبصَّر العقلاء، وليتَّقِ الله المغرون، وليعلم أنَّ الأمر صعب، ولكن تصوُّر الصعوبة لا يستلزم القنوط، بل يثير همم الرجل الأشمّ.
ونتيجة البحث، أنَّ الله -جلَّت حكمته- قد جعل الأمم مسؤولة عن أعمال