ثالثاً- قررت الإسلامية ترك الأراضي الزراعية ملكاً لعامة الأمة، يستنبتها ويستمتع بخيراتها العاملون فيها بأنفسهم فقط، وليس عليهم غير العشر أو الخراج الذي لا يجوز أن يتجاوز الخمس لبيت المال.
رابعاً- جاءت الإسلامية بقواعد شرعية كليّة تصلح للإحاطة بأحكام كافة الشؤون حتى الجزئية الشخصية، وأناطت تنفيذها بالحكومة، كما تطلبه أغلب جمعيات الاشتراكيين. على أنَّ هذا النظام الذي جاء به الإسلام، صعب الإجراء جداً، لأنَّه منوط بسيطرة الكلّ ورضاء النفوس، ولأنَّ القانون الكثير الفروع يتعذَّر حفظه بسيطاً، ويكون معرَّضاً للتأويل حسب الأغراض، وللاختلاف في تطبيقه حسب الأهواء، كما وقع فعلاً في المسلمين، فلم يمكنهم إجراء شريعتهم ببساطة وأمان إلا عهداً قليلاً، ثمَّ تشعَّبت معهم الأمور بطبيعة اتِّساع الملك واختلاف طبائع الأمم، وفَقَدَ الرجال الذين يمكنهم أن يسوقوا مئات ملايين من أجناس الناس: الأبيض والأصفر، والحضري والبدوي، بعصا واحدة قروناً عديدة.
ولا غَرْوَ إذا كانت المعيشة الاشتراكية من أبدع ما يتصوَّره العقل، ولكن؛ مع الأسف لم يبلغ البشر بعد الترقّي ما يكفي لتوسيعهم نظام التعاون والتضامن في المعيشة العائلية إلى إدارة الأمم الكبيرة. وكم جرَّبت الأمم ذلك فلم تنجح فيها إلا الأمم الصغيرة مدة قليلة. والسبب كما تقدَّم هو مجرّد صعوبة التحليل والتركيب بين الصوالح والمصالح الكثيرة المختلفة. والمتأمِّل