تعيسة، وكيف لا يحرص عليها وهو لا يعرف غيرها؟! أين هو من الحياة الأدبية؟! أين هو من الحياة الاجتماعية؟! أمَّا الأحرار فتكون منزلة حياتهم الحيوانية عندهم بعد مراتب عديدة، ولا يعرف ذلك إلا من كان منهم، أو كشف عن بصيرته.
ومثال الأسراء في حرصهم على حياتهم الشيوخ، فإنَّهم عندما تمسي حياتهم كلُّها أسقاماً وآلاماً ويقربون من أبواب القبور، يحرصون على حياتهم أكثر من الشباب في مقتبل العمر، في مقتبل الملاذ، في مقتبل الآمال.
الاستبداد يسلب الرّاحة الفكرية، فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء، فتمرض العقول، ويختلُّ الشعور على درجات متفاوتة في الناس. والعوام الذين هم قليلو المادة في الأصل قد يصل مرضهم العقلي إلى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير والشر، في كلِّ ما ليس من ضروريات حياتهم الحيوانية. ويصل تسفُّل إدراكهم إلى أنَّ مجرّد آثار الأبَّهة والعظمة التي يرونها على المستبدّ وأعوانه تبهر أبصارهم، ومجرّد سماع ألفاظ التفخيم في وصفه وحكايات قوته وصولته يزيغ أفكارهم، فيرون ويفكرون أنَّ الدواء في الداء، فينصاعون بين يدي الاستبداد انصياع الغنم بين أيدي الذئاب؛ حيث هي تجري على قدميها جاهدةً إلى مقرِّ حتفها.
ولهذا كان الاستبداد يستولي على تلك العقول الضعيفة فضلاً عن الأجسام فيفسدها كما يريد، ويتغلّب على تلك الأذهان الضئيلة، فيشوش فيها الحقائق، بل البديهيات كما يهوى، فيكون مَثَلُهم في انقيادهم الأعمى للاستبداد