(فَالمَنْطِقُ) أي: العلم المخصوص، وإن كان في الأصل اسمًا للإدراك الكلي، والقوة التي هي محل صدور الإدراك، وللتلفظ الذي يبرز ذلك، لأن بذلك العلم يصيب الإدراك وتتقوى القوة العاقلة وتكون القدرة على التلفظ المبرز لذلك الإدراك فهو من تسمية الشيء باسم ما يتعلق به، ثم صار حقيقة عرفية في العلم المخصوص (لِلْجَنَانِ) أي القلب بمعنى اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب اللحماني تعلق العرض بالجوهر (نِسْبَتُهُ) أي المنطق (كَـ) نسبة النَّحْوِ لِلِّسَانِ، فالمنطق نسبته للعقل كنسبة النحو للسان في أن كلاً منهما يعصم ما يتعلق به، فالمنطق يعصم العقل عن الخطأ في فكره كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله:(فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ) أي يحفظها، وتقدم أن الفكر هو النظر. وهذا إشارة إلى تعريف المنطق بأنه علم يعصم، أي يحفظ الأنظار (عَنْ) وقوع (غَيِّ الخَطَا) أي ضلاله، والخطأ ضد الصواب، وإضافة الغي إلى الخطأ من إضافة العام للخاص) فإن الضلال قد يكون عن عمد، وقد يكون عن خطأ، وهذا العلم تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر أي: النظر لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي: الفهم الدقيق (يَكْشِفُ) ذلك العلم (الغِطَا) أي الستر، شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح.
ــ - الشرح - ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقفنا عند قوله:(وَبَعْدُ). وعرفنا أن هذا اللفظ ظرف مبهم يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، ومرادهم بالأسلوب من المقدمة إلى المقصود، وذكر في الحاشية قال: هو هنا من نوع الثناء ونحوه إلى نوع ذكر السبب الحامل على تأليف الأرجوزة. وهو كذلك يعتبر من أسلوب إلى أسلوب آخر، لأن الكتاب مقسم من مقدمة ومقصود، والمقصود هذا قد يكون مقصودًا لذاته وقد يكون مقصودًا لغيره، فالانتقال بين هذه المراحل إنما يكون بهذا اللفظ وهو بعد، وليس مرادهم أن الانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، من أسلوب التأكيد، من أسلوب الذم ونحو ذلك ما فهمه البعض وليس الأمر كذلك.