(فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) قال: [المراد بالعلم هنا]. أي في هذا الموضع. لأن العلم كغيره من المصطلحات التي يتداولها أرباب الفنون، فالعلم عند الأصوليين مغاير للعلم عند المناطقة، مغايرٌ للعلم عند أهل اللغة، لكن الأصل هو في فهم الكلام العربي هو استعمال أهل اللغة، ومر معنا أن الأصل في العلم أنه الإدراك، مطلق الإدراك، وعرفنا معنى الإدراك، وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، وهذا هو معنى المعرفة كذلك، لذلك أكثر أهل اللغة على أن العلم والمعرفة مترادفان، لأن الإدراك يوصف بكونه معرفةً، ويوصف بكونه علمًا، والمعنى هنا في هذا الموضع فلا يحمل العلم على المعنى الأصولي، لأن العلم عند الأصوليين المراد به التصديق الجازم، هذا المراد به، إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، إنما يكون كذلك إذا كان تصديقًا جازمًا، ومر الآن أن العلم يتنوع إلى تصور وإلى تصديق، لذا خصصنا العلم بالتصديق حينئذٍ خرج التصور، وليس هذا المراد، لأنه أراد أن يقسم العلم إلى تصور وتصديق، ولا يتأتى هذا التقسيم إلا إذا جعلنا العلم بمعنى الإدراك، [المراد بالعلم هنا] يعني في هذا الموضع ويتعين، ... [مطلق الإدراك]، وعرفنا أن الإدراك هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، وصول النفس يعني القوة العاقلة إلى المعنى، والمعنى هو مدلول اللفظِ سواءٌ كان اللفظ مفردًا أو مركبًا ليشمل التقسيم أو النوعين التصور والتصديق وقوله:[مطلق الإدراك]. ليدخل فيه الجازم وغير الجازم، فلا يختص الإدراك هنا بالجازم، كما هو الشأن عند الأصوليين، وكذلك المطابق للواقع وغير المطابق يعني مطلق الإدراك بقطع النظر عن وصفٍ آخر البتة سواءٌ كان جازمًا أو لا، سواءٌ كان مطابقًا للواقع أم لا، [مطلق الإدراك، لا إدراك النسبة التصديقية فقط كما هو اصطلاح بعض الأصوليين] في تفسير العلم، ما معنى العلم؟ يختلفون يحد أو لا يُحَد، ومن حده قال: بأنه كذا وكذا. نقول: هذا اصطلاح، ولذلك أكثر ما يذكر في تعريف العلم إنما هو اصطلاح وليس هو المرجع إلى لسان العرب، وأما لسان العرب هو الذي ذكرناه.
العلم إدراك المعاني مطلقًا ... وحصره في طرفين حققا
إذًا [لا إدراك النسبة التصديقية فقط]، وسيأتي معنى النسبة [كما هو اصطلاح بعض الأصوليين] لماذا فسرنا العلم هنا بالإدراك مطلق الإدراك لا النسبة التصديقية؟ [ليصح انقسامه] أي العلم، [إلى التصور والتصديق الآتيين]، وهذا اصطلاح المناطقة أن العلم ينقسم إلى تصور وإلى تصديق، وهذا التصور إنما هو مفرد ليس بتصديق، وإذا خصصنا العلم بالتصديق حينئذٍ أخرجنا النوع الأول وحصل عندنا اضطراب فكيف نقول: العلم هو إدراك النسبة التصديقية، ثم نقول: العلم ينقسم إلى التصور والتصديق؟ وهذا فيه تناقض، إذًا لا بد أن نفسر العلم بمطلق الإدراك يعني وصول النفس إلى المعنى، أيًّا كان هذا المعنى، سواءً كان مدلول لفظٍ مفرد، أو مدلول لفظٍ مركب.