للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قلت: إذا أردنا معرفة تاريخ هذا النَّص القولي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي نص الحديث قد ذُكِرَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قاله "لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ"، وذكرت لنا المصادر التَّارِيخِية أنَّ غزوة الأَحْزَابِ كانت فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ هجرية على الصحيح المعتمد (١)، ويؤيد ذلك ما ذكره شمس الدين الذَّهَبِي بإسناده عن الزُّهْرِيِّ: " من أنَّ الخندق كَانَتْ بَعْد أُحُدٍ بِسَنَتين" (٢)، وذَكَرُوا أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حُوصِروا فيها شهرًا (٣)، فيكون زَمَنُ هذا القول في أوائل شهر ذي القعدة مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ هجرية، وهو تاريخ هذا النَّص الحديثي.

مثال من فعله - صلى الله عليه وسلم -: ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ (٤)، وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ، «فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا


(١) ابن حجر العسقلاني, فتح الباري، (٧/ ٣٩٣)، وقد ذَكَرتْ بَعْضُ المصادر التَّاريخية أنَّ غَزْوَةَ الأحزاب كانت في سنة أَرْبَعٍ من الْهِجْرَةِ، وتعقب ذلك ابنُ حَجَرٍ في نفس الموضع الخلاف، ثم قال: «وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ سَبَبَ هَذَا الاخْتِلافِ وَهُوَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَعُدُّونَ التَّارِيخَ مِنَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَيَلْغُونَ الأَشْهُرَ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى رَبِيعٍ الأَوَّلِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ فَذَكَرَ أَنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْكُبْرَى كَانَتْ فِي السَّنَةِ الأُولَى وَأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَذَا عَمَلٌ صَحِيحٌ عَلَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ؛ لَكِنَّهُ بِنَاءٌ وَاهٍ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ جَعْلِ التَّارِيخِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ الْهِجْرَةِ وَعَلَى ذَلِكَ تَكُونُ بَدْرٌ فِي الثَّانِيَةِ وَأُحُدٌ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقُ فِي الْخَامِسَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ».
(٢) محمد بن أحمد الذهبي، تاريخ الإسلام، (٢/ ٢٩٦).
(٣) إسماعيل بن عمر بن كثير، البداية والنهاية، (٤/ ١٢٠).
(٤) هي التي أعرس بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهى من خيبر على بريد، ذكره عبد الله بن عبد العزيز، أبو عبيد البكري (ت: ٤٨٧ هـ) في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، (٢/ ٥٢٢).

<<  <   >  >>