للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع: أثر معرفة تاريخ النَّص في إيضاح الْمُشْكَل في متن الحديث

عِلْمُ مُشْكَل الحديث من أهم وأَدَقِّ عُلُوم الرِّواية والدِّرَاية، ولم يَبْرُز هذا العلم إلا بعدما اكتملت مَدَارِس العلوم، وتفتقت فيها أزهارها، ويهتم هذا العلم بإيضاح وُجُوه الْحُجَج والبراهين على حقائقها، ويَنْفِي عَنْهَا اللبس والتَّعارض، وهو من الدُّرُوع القوية لمواجهة شُبَهات المشككين من المستشرقين وغيرهم، وقد ذاعت أنواره في أوائل القرن الثالث الهجري وأشهر المصنفات فيه إن لم تكن أولها: كتاب "اختلاف الحديث"، للإمام محمد ابن إدريس الشافعي المتوفى في سنة (٢٠٤) هجرية، ثم كتاب "تأويل مختلف الحديث"، للإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى في سنة (٢٧٦) هجرية، ثم كتاب "شرح مُشْكَل الآثار"، للإمام أحمد بن محمد بن سلامة المصري، المعروف بالطحاوي المتوفى في سنة (٣٢١) هجرية، ثم انتقل هذا العلم لشُرَّاح الحديث حتى صار من أهم مكونات هذا التراث القيم، وسوف نحاول في هذا المبحث تناول أثر تاريخ النَّص الحديثي في تفسير ما أُشْكِل من الْمَرْويَّات؛ لِنَرَى قيمة هذا العلم عند علماء الحديث.

المثال الأول: ما أَخْرَجَهُ البُخَاريّ، من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ: «التَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ» فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وَأَنَا غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ... الحديث» ". (١)


(١) البخاري، الجامع الصحيح، بَابُ مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ، كِتَابُ الجِهَادِ والسِّيَر، (٤/ ٣٦) رقم: ٢٨٩٣.

<<  <   >  >>