بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وأَنَّهُ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا بِهِ مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ (١)، وجمهور العلماء على أنَّ النسخَ لا يقع إلا في الأمر والنهى ولو بلفظ الخبر، وخُلاصَةُ ذلك أنَّ النسخ يستخدم التَّاريخ لمعرفة الْحُكم الْمُتَقدم لإزالته وإحلال مَحَله الْحُكم الْمُتأخر.
وأمَّا استخدام تاريخ النَّص الحديثي فهو أعمق وأشمل من مجرد معرفة الحديث المتقدم أو المتأخر وحسب؛ وإنما يدخل كما أسلفنا في الاستنباط، والتَّرجيح بين الأقوال، وتفسير الْمُشْكَل، وغير ذلك كثير، ولا يمكن تَصَور ذلك إلا بضرب الأمثلة؛ لِذَا اخْتَرتُ بعض النماذج من تُرَاثِ شُرَاح الحديث النَّبوي الشريف فإنَّهُ قد مُلِيء بكنوزٍ خَفِياتٍ، وفوائد كامناتٍ، وعلوم راسخاتٍ فاقوا بها عصرهم، وكان لهم قَصَبُ السَّبق فيها.
ومن هَذِه العُلُوم عِلْمُ تَارِيخ النَّص الحديثي الذي استخرجاه من هذا التُّرَاث العظيم بفضل الله وحده، واخْتَرتُ هَذِهِ النَّماذج بدون أَنْ يكون لَدَىّ أسبابٌ للتَّرجيح بينها؛ وإنَّما هو عرض لبعض استخدامات علماء الحديث لتاريخ النَّص لبيان أوجه المعاني، واستخراج الفوائد والحكم والأحكام؛ وكان غرضي من إيرادها بُرُوز قيمة تاريخ النَّص في توجيه المعاني، وضرب الأمثلة التَّطبيقية نرجو أن تكون هي السبيل بأمر الله لأَنْ تُقَرِّبَ المستعصي، وتَفْتَحَ المستغلق، وتَجْمَعَ المتفرق البعيد، وتُحَرِّرَ الغير مُحَرَّر.
(١) أبو بكر محمد بن عثمان الحازمي، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، (ص ٦).