للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟! فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا؟» فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، ... وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ». اهـ. (١).

قال الحافظ في " الفتح " (٢) «حَذَفَ جَوَاب [قَوْله] " إِذَا " لِلْعِلْمِ بِهِ كَأَنَّهُ يَقُول: إِذَا كَانَ الإِِسْلاَمُ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَفَع بِهِ فِي الآخِرَة. وَمُحَصَّلِ مَا ذَكَرَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّ الإِسْلاَمَ يُطْلَق وَيُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهُوَ الَّذِي يُرَادِف الإِيمَان وَيَنْفَع عِنْد اللهِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: ١٩] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٦]، وَيُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَهُوَ مُجَرَّدَ الانْقِيَاد وَالاسْتِسْلاَم، فَالْحَقِيقَة فِي كَلاَم الْمُصَنِّف هُنَا هِيَ الشَّرْعِيَّة، وَمُنَاسَبَة الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرة مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُسْلِمَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَظْهَر الإِسْلاَمَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَاطِنهُ، فَلاَ يَكُونُ مُؤْمِنًا لأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ تَصْدُقْ عَلَيْهِ الحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَأَمَّا اللُّغَوِيَّة فَحَاصِلَةٌ». اهـ.

ثَانِيًا - التَّرَاجِمُ الاِسْتِنْبَاطِيَّةَ:

يضع المؤلفون العناوين لمسائل كتبهم للدلالة على مضمونها وموضوعها، وتوجيه ذهن القارئ إليها من أول الأمر، فالأصل في العناوين والتراجم أن تكون مطابقتها لمضمون الباب ظاهرة واضحة، لا تحتاج إلى قدح زناد الفكر.

فلماذا توضع التراجم الاستنباطية التي تحتاج إلى إعمال الفكر حتى نعرف مطابقتها لما وضعت له؟

نجيب عن هذا بأن المؤلف قد لا يقتصر عَلَى الفائدة السابقة، بل يلاحظ أُمُورًا أخرى أبعدَ منها؛ فيسلك طريق الاستنباط. ومن ذلك:


(١) جـ ١ ص ١٤.
(٢) جـ ١ ص ٥٩، ٦٠.

<<  <   >  >>