ثَمَّ ففنه شهوة إحساسه وإن كان مخدوعًا، وشهوة نظره وإن كان ملبَّسًا عليه، وشهوة خياله، وإن كان التمويه والزور والحاضر الضيق المشوه المكذوب الخادع هو المسمى في لغة القرآن والحديث ((بالدنيا))، فإذا اتسع الإنسان لروحه وأدرك حقيقتها، ووعى ما بينها وبين الكون؛ وأخذ يحقق هذه الروح السماوية في أعماله، وتخطى حدود جسمه إلى فكرة الخلود؛ فهذا كله هو المسمى في لغة القرآن والحديث ((بالآخرة))؛ فهما كلمتان في منتهى الإبداع من الفن والفلسفة؛ وعلى ذلك يؤول قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته:((مَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. ومَنْ كَانَ هَمُّهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ)) (١).
(١) حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (٥/ ١٨٣)، وابن ماجة في "سننه" (٤١٠٥)، والدارمي في "مقدمة سننه" (٢٢٩)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٥/ ٤٨٩١)، وصححه ابن حبان (٦٨٠ - إحسان) (٧٢ - موارد الظمآن) من حديث زيد بن ثابت (رضي الله عنه). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة": ((إسناده صحيح. رجاله ثقات))، وهو كما قال. وقد زاد عزوه لأبي داود الطيالسي. وجود إسنادَه الحافظُ العراقي (رحمه الله) في "تخريج أحاديث الإحياء". ورواه الترمذي (٢٤٦٥) من حديث أنس بن مالك (رضي الله عنه) بسند ضعيف - كما قال الحافظ العراقي - فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف. لكن يشهد له حديث زيد بن ثابت (رضي الله عنه).