للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصلصة، وَالْتَفَّ المَدْعُوُّونَ حولها، وَسُلِّمَتْ لي ملعقة على مَضَضٍ من الدَّاعِي، وبدأنا نأكل، من حولي يأخذ القبضة من الأرز تعدل ملعقتين، يظل يقبضها ويبسطها حتى يعجنها، ثم يغمس قبضته بما فيها في طبق الصلصة، ثم يلقيها في فمه، مُبَلِّلاً شعر لحيته الطويلة، وَأَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ عَنْهُمْ إِذْ أَحْسَسْتُ بالغثيان، لكنهم بدأوا يقطعون اللحم بهذه الأيدي وَيُقَدِّمُونَهَا لي لآكُلَهَا، وبكل إصرارٍ اضطررتُ لوضع قطعة في فمي، وكأني أدخل أصابعهم، وليس قطعة اللحم، وَتَحَرَّكَتْ أَمعائي، وتمالكت نفسي وأمسكت التقلب في معدتي حتى وصلت بيتي، فأفرغت ما فيها ولازمتُ الفراش أَيَّامًا يعلم الله آثارها على مستقبل حياتي الصِحِيَّةِ.

أهذا هو الإسلام؟ مَنْ يَقُلْ منهم هذا هو الإسلام فهو لا يعرف الإسلام، الإسلام دين النظافة والمشاعر الإنسانية، والإحساس المرهف «لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، [فَإِنَّ] ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» (١٢٢) «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (١٢٣) «لَمْ يَعِبْ طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ عَافَهُ تَرَكَهُ» (١٢٤).

إن مشكلة الإسلام في بعض أهله، وقد أخبرني بعض منهم ممن يتصدون للدعوة في الخارج أنهم يذهبون إلى أوروبا وأمريكا، يدعون إلى الإسلام، ويأكلون على الأرض هناك وبأصابعهم، على أن هذه الصورة التي يدعون إليها، صورة الإسلام.

مُنَفِّرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فَتَّانُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، إن الإسلام رمز الطهر والنقاء والصفاء والنور والهداية، يُسْرٌ لاَ عُسْرَ فِيهِ، {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (١٢٥)، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (١٢٦).

إن الإسلام دين الزينة والطيبات والجمال، دستوره الخالد يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (١٢٧)، «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» (١٢٨)، «إِنَّ اللهَ [يُحِبُّ] إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ»، وفي رواية أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً رَثَّ الثِّيَابِ، فَقَالَ لَهُ: «إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ» (١٢٩) قالها لرجل رآه في ثياب دون، وفي رواية أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً شَعِثًا، قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ يَجِدُ


(١٢٢) أصله في " البخاري ": كتاب الاستئذان - باب لا يتناجى اثنان دون الثالث.
(١٢٣) أخرجه " البخاري ": كتاب الأطعمة - باب التسمية على الطعام والأكل باليمين والأكل مما يليك.
(١٢٤) أخرجه " البخاري ": كتاب الأطعمة - باب ما عاب طعامًا قط.
[الحديث كما ورد في " صحيح البخاري ": «مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ»، البخاري: " الجامع الصحيح " ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي: (٧٠) كتاب الأطعمة (٢١) بَابُ مَا عَابَ - النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا. حديث رقم ٥٤٠٩، (" فتح الباري ": ٩/ ٥٤٧)].
(١٢٥) [سورة المائدة، الآية: ٦].
(١٢٦) [سورة الحج، الآية: ٧٨].
(١٢٧) [سورة الأعراف، الآيتان: ٣١، ٣٢].
(١٢٨) أخرجه " مسلم ": كتاب الإيمان، جوابًا عن سؤال: إن الرجل يحب أن يرى ثوبه حسنًا ونعله حسنة.
(١٢٩) أخرجه البيهقي بإسناد جَيِّدٍ.

<<  <   >  >>