للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: (كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ) متفق عليه (١)

قَالَ الْعِيْنِي: (٢) لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ عَنِ الْنَّظَرِ إِلَيْهِ وَأَجَابَ: عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابِيْنِ.

الْجَوَابُ الأَوَلُ: إِكْتَفَى الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْعِ الْفَضْلِ؛ لَمَّا رَأَى أَنَّهَا بِذَلِكَ تَعْلَمُ مَنْعَ نَظَرِهَا إِلَيْهِ؛ لأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ.

قُلْتُ: وَهْوَ الأَصْلُ. قال تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: ٣٠]

وقال تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: ٣١]

الْجَوَابُ الْثَانِي: أَنَّهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلي أَمْرٍ؛ لأَنَّهَا غَضَّتِ الْبَصَرَ؛ فَقَدْ تَنَبَهَتْ لِمَا فُعِلَ بِالْفَضْلِ؛ فَأَخَذَتْ مِنْهُ الْعَذْلَ.

قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ في لَفْظَةٍ حَدِيْثِيْه بِأَنَّهُ خَافَ الْفِتْنَةَ عَلَى الْفَضْلِ وَالْخَثْعَمِيْه

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَاسٍ - رضي الله عنه -: (أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَوَ عُنُقَ الْفَضْلِ لَمَّا نَظَرَ في الْخَثْعَمِيْةِ (فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ بْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) (٣)

الْجَوَابُ الْثَالِثُ: أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا صَرَفَ وَجَهَ الْفَضْلِ لأَوَلِ وَهَلَةٍ؛ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ.

قَالَ الْنَّوَوِي رَحِمَهُ الله: وَفِي صَرْفِهِ لِوَجْهِ الْفَضْلِ عَنِ الْمَرْأَةِ؛ دَلِيْلٌ عَلَى دَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهَا. (٤)

قُلْتُ: وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - في لَفْظٍ لأَحْمَدَ (رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَخِفْتُ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ (٥)

وَقَالَ: وَفِيْهِ الْحَثُّ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الأَجْنَبِيَاتِ , وَغَضُّهُنَّ عَنِ الْرِّجَالِ الأَجَانِبِ. (٦)


(١) البخاري رقم٥٧٦٠ (ج ١٩ / ص ٢٣٨) و صحيح مسلم رقم٢٣٧٥ (ج ٧ / ص ٣٥)
(٢) عمد ة القاري شرح صحيح ج ٩ - ١٢٥
(٣) سنن الترمذي رقم٨١١ (ج ٣ / ص ٤٣٣) و مسند أحمد رقم٥٣٠ (ج ٢ / ص ٣٦) و مسند أبي يعلى الموصلي رقم٥٢١ (ج ٢ / ص ٢٥)
(٤) شرح صحيح مسلم ج٨ - ص ١٩٠)
(٥) مسند أحمد رقم١٢٧٧ (ج ٣ / ص ٢٨٣)
(٦) شرح صحيح مسلم ج٨ - ص ١٩٠)

<<  <   >  >>