٦٥٦٥ - أبو هريرة: بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سريةً عينًا، وأمَّر عليهم عاصمُ بن ثابتٍ، وهو جدُّ عاصمٍ بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا الحي من هذيلٍ يقالُ لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريبٍ من مائة رامٍ، فاقتصوا آثارهم، حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمرٍ
⦗١٣⦘ تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما أحسَّ بهم عاصمُ وأصحابه، لجئوا إلى فدفدٍ، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهدُ والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال: عاصم أمَّا أنا فلا أنزل في ذمةِ كافرٍ، اللهمَّ أخبر عنَّا رسولك، فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفرٍ بالنبل وبقي خبيبٌ وزيدٌ ورجلٌ آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، ونزلوا إليهم فلمَّا استمكنوا منهم حلُّوا أوتار قسيِّهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم، فجرروه فلم يفعل، فقتلوه فانطلقوا بخبيب وزيدٍ حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو الحارث بن عامرٍ بن نوفلٍ، وكان خبيب قد قتل الحارث يوم بدرٍ، فمكث عندهم أسيرًا حتى إذا أجمعوا قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدَّ بها، فأعارتهُ، قالت: فغفلت عن صبيٍّ لي، فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلمَّا رأيتهُ فزعت فزعةً عرف ذلك مني، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟
ما كنتُ لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيتُ أسيرًا قط خيرًا من خُبيبٍ، لقد رأيته يأكلُ من قطف عنبٍ وما بمكة يومئذٍ ثمرةٌ، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقًا رزقه الله خبيبًا، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أنَّ ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سنَّ الركعتين عند القتل هو وقال اللهمَّ أحصهم عددًا:
ما أبالي حين أقتلُ مسلمًا ... على أيِّ شقٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلوٍ ممزعِ
ثم قام إليه عقبةُ بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصمٍ ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدرٍ، فبعث الله عليهم مثل الظلة من الدبرِ، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيءٍ. للبخاري وأبي داود، وزاد رزين: إن عاصمًا جعل يرميهم، ويقولُ:
ما علتي وأنا جلد نابلٍ ... والقوسُ فيها وترُ عنابلِ (١)