للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأجابت الشيعة عن ذلك أولا بأنه لو تم دليلكم هذا للزم منه القدح في الخلفاء الثلاثة وبطلان خلافتهم وذلك لأن شارح المواقف نقل عن الآمدي وهو من أكابر أهل السنة أن الصحابة اختلفوا عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين. الأولى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إيتوني بقرطاس أكتب لكم شيئا لا تضلوا بعده" فلم يرض عمر بذلك وقال إن الرجل غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وارتفعت الأصوات فتأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اختلافهم وقال: "قوموا عني فلا ينبغي التراع عندي" والثانية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر قوما أن يخرجوا مع أسامة فتخلف ناس وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "جهزوا جيش أسامة. لعن الله من تخلف عنه" (١) ومع هذا الوعيد الشديد تخلف ناس ولم يخرجوا معه. فنقول أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحضار القرطاس وكتابة الوصية وحي للآية التي تلوتموها، ورد عمر أمره وعدم رضائه به رد للوحي، ورد الوحي كفر على ما اعترفتم به على ما دل عليه قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (٢) والكافر لا يستحق خلافة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ونقول أيضا التخلف عن جيش أسامة كفر لما ذكر، وقد ثبت عن الخلفاء الثلاثة باتفاق منا ومنكم. ولنا أن نقول أيضا إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - مروان من المدينة لا جرم بالوحي وإدخاله عثمان إياه فيها وتوقيره وتفويضه أمور الخلافة كفر بوجهين أحدهما ما اعترفتم به والثاني قوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}. (٣)

أقول ومن الله العصمة والتوفيق: لا نسلم أن جميع أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله بالوحي. وتمسكهم بقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى} ليس بتام لأنه مختص بالقرآن. قال القاضي البيضاوي: معناه: وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى.

ولو كان جميع أقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - بالوحي لما نزل القرآن بالعتاب في بعض المواضع كما في قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} (٤) وقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (٥) وقوله سبحانه: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا} (٦) وقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} (٧) نزلت هذه الآية في رواية بعد الصلاة على المنافق وفي رواية قبلها بعد ما صمم العزم عليها. وعلى التقديرين العتاب على الفعل ثابت فعل القلب كان أو فعل الجوارح.


(١) الضعيفة ٤٩٧٢
(٢) المائدة: ٤٤
(٣) المجادلة: ٢٢
(٤) التحريم: ١
(٥) التوبة: ٤٣
(٦) الانفال: ٦٧
(٧) التوبة: ٨٤

<<  <   >  >>