أحدهما: ما صرح به الأئمة، وقد سبق لكم فيما نقلناه عن أبي بكر في مسألة الإردة أن المقدورات والمرادات غير متناهية. والعلم وإن تعلق بأقسام ثلاثة فهو غير زائد على المقدور، والمراد؛ لأن العموم والخصوص فيما لا يتناهى لا يتفاوت، وحصول ما لا نهية له دفعة مستحيل؛ لاستحالة دخول ما لا نهاية له في الوجود لا اقتضائه من حيث خلقه دفعة الفراغ، ومن حيثب تناهيه يقتضي عدم الفراغ، واجتماع النقيضين محال، والقدرة لا تتعلق بالمحال فلا نقص في تعلقها؛ لأن النقص لو جاء من حيث خروج ما يصح توجهها إليه، أما ما لا تتوجه إليه كالمحال فلا.
الوجه الثاني: إن العالم فيه متقابلات فلو حصل كل ذلك دفعة للزم اجتماع الأضداد من جملة المقدورات الطول والقصر، ووقوعها دفعة يستلزم ذلك محالا عقلا.
وأيضا من جملة العالم أنفاس أهل الجنة ونعيمهم، وعذاب أهل النار المخلد. فلو جاز إيقاع العالم دفعة لبطل معنى التخليد ونحوه، واجتمع النقيضان اجتماعا ذاتيا لا عرضيا، كما يستحيل تعارض الأخبار، وقد عدّ من جهالات أبي الهذيل العلاف القدري أنه يفرغ من خلق العالم حتى يجد ما يخلق، وقد ذكر ذلك ابن العربي (١) وغيره ممن تعرض لهذه الطوائف
(١) ابن العربي الحاتمي الأندلسي محمد بن علي، (٥٦٠ - ٦٣٨ هـ = ١١٦٥ - ١٢٤٠ م): فيلسوف، من أئمة المتكلمين في كل علم. له مصنفات كثيرة، منها: " فصوص الحكم "، " شرح أسماء الله الحسنى "، " التدبيرات الإلهية في المملكة الإنسانية ". انظر ابن القاضي، جذوة الاقتباس ص ١٧٥. الذهبي ميزان الاعتدال ج ٣/ ١٠٨ ...