ممَّا يتعلَّق بالعقائد تعلُّقًا متينًا حال المكان والزمان، فالضرورة داعية إلى النظر فيهما.
فأمَّا المكان فقد يطلق على موضع التمكُّن كمجلس زيد على الأرض، وقد يطلق على محلِّ الكَوْن، كموضع ذاك الطائر من الجوِّ، وقد علم كل واحد أنَّ بين السماء والأرض فضاءٌ، وأنّه ليس هذا الفضاء هو الهواء الذي تدفعه المروحة، ويمتلئ به الزق إذا نُفِخ؛ لأنَّ كثيرًا من النّاس لا يتصوَّر أنَّ الهواء جسْمٌ موجود في الفضاء، وهو مع ذلك يعرف الفضاء، ولأنّنا نعقل إمكان إعدام الهواء مع بقاء الفضاء، فالكلام في هذا الفضاء أمعدومٌ هو أم موجودٌ؟
نقلوا إطباق المتكلِّمين على أنَّه عَدَمٌ ويسمُّونه بُعْدًا موهومًا، وعن الفلاسفة ــ وتبعهم أكثر المتأخِّرين من نُظَّار المسلمين ــ أنّه موجود، قال العضد في "مواقفه": "وهو موجودٌ ضرورة؛ أنّه يشار إليه هنا وهناك، وأنّه ينتقل منه الجسم وإليه، وأنّه مقدّر له نصف وثلث، وأنّه متفاوت فيه زيادة ونقصان، ولا يتصور شيء منها للعدم المَحْض وشكَّك عليه بأنّه ... والجواب أن وجوده ضروري , وما ذكرتم تشكيك في البديهي، وأنّه سفسطة لا تستحق الجواب"(١).
قال عبد الرحمن: الضرورة كثيرًا ما تشتبه بالوَهْمِيَّات، وهؤلاء القوم