فيكون اختلاف الروايات في العدد بحسب اختلاف اعتبار الأجزاء ولا يلزم منه اضطراب , قال: وهذا أشبه ما وقع لي في ذلك مع أنه لم ينشرح به الصدر ولا اطمأنت إليه النفس , قلت: وتمامه أن يقول في الثمانية والسبعين بالنسبة لرواية السبعين ألغي فيها الكسر وفي التسعة والثلاثين بالنسبة لرواية الأربعين جبر الكسر ولا تحتاج إلى العدد الأخير لما فيه من ذكر النصف , وما عدا ذلك من الأعداد قد أشار إلى أنه يعتبر بحسب ما يقدر من الخصال , ثم قال: وقد ظهر لي وجه آخر وهو أن النبوة معناها أن الله يطلع من يشاء من خلقه على ما يشاء من أحكامه ووحيه إما بالمكالمة , وإما بواسطة الملك, وإما بإلقاء في القلب بغير واسطة لكن هذا المعنى المسمى بالنبوة لا يخص الله به إلا من خصه بصفات كمال نوعه من المعارف والعلوم والفضائل والآداب مع تنزهه عن النقائص أطلق على تلك الخصال نبوة , كما في حديث التؤدة والاقتصاد أي تلك الخصال من خصال الأنبياء والأنبياء مع ذلك متفاضلون فيها كما قال تعالى:
ومع ذلك فالصدق أعظم أوصافهم يقظة ومنامًا فمن تأسى بهم في الصدق حصل من رؤياه على الصدق , ثم لما كانوا في مقاماتهم متفاوتين كان أتباعهم من الصالحين كذلك وكان أقل خصال الأنبياء ما إذا اعتبر كان ستة وعشرين جزءًا وأكثرها ما يبلغ سبعين وبين العددين مراتب مختلفة بحسب ما اختلفت ألفاظ الروايات , وعلى هذا فمن كان من غير الأنبياء في صلاحه وصدقه على رتبة تناسب حال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءًا من نبوة ذلك النبي ولما كانت كمالاتهم متفاوتة كانت نسبة أجزاء منامات الصادقين متفاوتة على ما فصلناه , قال: وبهذا يندفع الاضطراب إن شاء الله) (١).
(١) " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ابن حجر العسقلاني: (١٢/ ٣٦٨) , ط: دار المعرفة - بيروت - لبنان ١٣٧٩هـ , (١ - ١٣).