للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصمت وهو (أول العبادة) (١) , والتواضع لله (٢) , والزهادة في الدنيا (٣) , وقلة الشيء" (٤).


(١) في "ط" أولى.
(٢) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكثر الناس تواضعًا لله وللخلق , واشتهر النبي بهذا وإلا لم ينجح في دعوته فالإسلام دين التواضع , فوالله الذي لا إله إلا هو ما نجح المتكبرون أبدًا في حياتهم , فالكبر يقتل القلب , وينسف الإيمان نسفًا , فما طرد الشيطان من الجنة إلا بسبب كبره , فالكبر يولد الظلمة في القلب , ويولد العناد , والعناد يولد الكفر , فالسبب في دخول أبي جهل وأبي لهب النار هو الكبر والعناد , يقول د عائض القرني في كتابه " محمد كأنك تراه ": " كان صلى الله عليه وسلم عجيبًا في ذلك , فتواضعه تواضع من عرف ربه مهابة , واستحيا منه وعظمه وقدره حق قدره , وتطامن له , وعرف حقارة الجاه والمال والمنصب , فسافرت روحه إلى الله وهاجرت نفسه إلى الدار الآخرة , فما عاد يعجبه شيء مما يعجب أهل الدنيا , فصار عبدًا لربه بحق: يتواضع للمؤمنين , يقف مع العجوز , ويزور المريض , ويعطف على المسكين ............................ ويتألف الناس , ويقول: " إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " " ا. هـ" محمد كأنك تراه " , د: عائض القرني (ص ٤٢ - ٤٣) ط: دار ابن حزم , الطبعة الثانية سنة ١٤٢٦ هـ _ ٢٠٠٥ م.
(٣) الزهادة من الزهد , والزُّهد والزَّهادة في الدنيا , ولا يقال الزُّهد إِلاَّ في الدين خاصة، والزُّهد: ضد الرغبة والحرص على الدنيا، والزهادة في الأَشياء كلها: ضد الرغبة. والتزهيد في الشيء وعن الشيء: خلاف الترغيب فيه. وزَهَّدَه في الأَمر: رَغَّبَه عنه .. (انظر لسان العرب) , يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ليزهد الناس في الدنيا ويحببهم في الآخرة: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} (الحديد ٢٠ - ٢١). يقول ابن كثير في تفسيره: (يقول تعالى موهناً أمر الحياة الدنيا ومحقراً لها: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} , أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا, كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران ١٤) , ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال: {كمثل غيث} وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس , كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ... }) , انظر: تفسير ابن كثير (٨/ ٢٤) طبعة: دار طيبة , تحقيق: سامي بن محمد سلامة , الطبعة الثانية ١٤٢٠هـ / ١٩٩٩م , في ثمانية أجزاء.
وقد اشتهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزهد في الدنيا وكان يقول: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " - أخرجه البخاري ومسلم -.
ومن بعده الصحابة , بل اشتهر السلف بالزهد أيضًا وأخبارهم مبثوثة في كتب التراجم والتاريخ , بل ألف السلف - رحمهم الله - في الزهد مؤلفات كثيرة ومتنوعة , ككتاب الزهد الكبير للبيهقي , وكتاب الزهد للإمام أبي داود السجستاني , وغيرها كثير.
(٤) ضعيف , أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان ": (٤/ ٤٥٥ رقم ٤٩٨٢) , والحاكم في " المستدرك ": ... (٧٨٦٤) , و " الطبراني في " المعجم الكبير ": (١/ ٣٧ / ١) , وابن عدي في " الكامل ": (٨١/ ١) , ... وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة: (٤/ ٤٢٧) , وأخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " عن وهيب أن عيسى عليه السلام , قال: " به ": (٢/ ١٧٣ , رقم: ٦٤٧).
ولفظ الحديث في المطبوعة: " أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت وهو أول العبادة , والتواضع , وذكر الله , وقلة الشيء " , وما أثبتناه من "م١" و"م٢" , وأظنه الصواب , والله تعالى أعلى أعلم.

<<  <   >  >>