فلما قال: الصرير عُلم إنه يريد صوتها إذا أصابت العظام. يعني أن العدو مفاجئ بالطعن، فهو يسمع صرير الرمح في عظامه قبل قعقعة اللجام من الفارس الحامل عليه. وأيضاً فلو أراد إنه يركب إلى العدو فرسه عريا لما قال: قعقعة اللجم فليس ثمة لجام. وقوله: حذارا لمعروف الجياد فجاءة ليس فيه ذكر التبييت، إنما يعني إنه يفاجئ العدو. وليس يلزم الشاعر أن يلزم في المدح، ولا في الهجاء ولا غيرهما طريقة واحدة. بل يتصرف في كل مذهب. فيجعل الممدوح طوراً مفاجئ بالحرب، وتارة مبيتاً لها. وهذا متعارف كثير. ولم نسمع أحداً من الشعراء جعل صوت تقارع الرماح صريراً فليفدنا الشيخ أبو الفتح.
وقوله:
له رحمةٌ تُحيي العظامُ وغضبةٌ ... بها فضله للجرم عن صاحب الجرم
قال الشيخ أبو الفتح: يقول: إذا أغضبه مجرم لأجل جرم جناه تجاوزت غضبته قدر المجرم فكانت أعظم منه. فأما احتقره فلم يجازه. وأما جازاه فتجاوز عن قدر جرمه فأهلكه. وهذا تفسير جيد، إلا إنه كان يجب أن يذكر ما الفائدة من قوله: فضلة للجرم. ألم يود المعنى الذي قصده قوله بها فقتله للجرم على صاحب الجرم حتى قال مجرم. وأنا قائل في ذلك ما عندي: وهو إنه يريد وغضبة للجرم بها فضلة عن صاحب